الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

ماذا في حقائب المفاوضين؟..

 ليس هناك جديد في مواقف طرفي التفاوض الذي سيبدأ جولته الثامنة اليوم في أديس أبابا حول قضايا المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق، بين الحكومة وقطاع الشمال في الحركة الشعبية، فلا تزال المواقف في مكانها لم تتحرك قيد أنملة، الحكومة على لسان بروف غندور رئيس وفد المفاوضات، أكدت استعدادها للاتفاق على وقف شامل وكامل لإطلاق النار في إطار ترتيبات أمنية وعسكرية محكمة وجيش واحد، وإيصال الإغاثة فوراً إلى المحتاجين عن طريق تطبيق الاتفاقية الثلاثية بين الجامعة العربية والأمم المتحدة التي وقعها قطاع الشمال قبل حكومة السودان، إضافة للتفاهم على كيفية المشاركة السياسية في إطار المنطقتين ومناقشة القضايا الوطنية الأخرى عبر عملية الحوار الوطني الجارية الآن.
> في جانب قطاع الشمال تبدو المواقف ولم تزل، متصلبة وغير موضوعية ولا واقعية، فهو يريد اتفاقاً مؤقتاً لإطلاق النار يتم تجديده كل ستة أشهر مع الإبقاء على قواته لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، ويطالب القطاع بعمليات إغاثة عبر الحدود غير مراقبة ولا محددة ولا معلومة، تتم عبر حدود دولة جنوب السودان مع المنطقتين وهي حدود لم ترسّم حتى اللحظة أوجواً من مناطق أخرى غير الأجواء السودانية، ويريد قطاع الشمال كذلك في مطالبه التعجيزية، القفز فوق كل التطورات السياسية الجارية في البلاد، ويصر على مناقشة  قضايا دارفور ومشروع الجزيرة وخزان كجبار وقضايا البحر الأحمر وشمال كردفان وأم طرقاً عُراض ..!
> ولذلك يحار المرء في الكيفية والطريقة التي ستبدأ بها المفاوضات اليوم، هل سيعاد تكرار المواقف كما في الجولات السابقة والتراشق عبر وسائل الإعلام والبدء من الصفر ونقطة البداية، أم يوضع في الاعتبار من كلا الطرفين، تلك الورقة التوفيقية التي قدمتها الوساطة في الجولة السادسة وردت عليها الحكومة وانتظر قطاع الشمال شهوراً طويلة قبل الرد عليها وكان رده أكثر سوءاً من مقترحاته التفاوضية التي ظل  يقدمها ويصر عليها؟..
> وخلال الفترة الماضية أجرت الوساطة الأفريقية برئاسة الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو امبيكي مشاورات واتصالات مع الخرطوم ومع الطرف الآخر وفي إطار الإقليم  والأمم المتحدة، وتكونت لديه رؤية على الأقل لا تتناقض مع حقائق الأشياء في ضرورة إنهاء التفاوض حول قضايا المنطقتين وترك الأمور السياسية والقضايا القومية لمؤتمر الحوار الوطني، وأهم ما خرج به السيد امبيكي من  لقاءاته مع الحكومة أنها مستعدة لتقبل قطاع الشمال بالحركة الشعبية كحزب سياسي بدون مليشيات وقوات، وفق الشروط التي حددها قانون الأحزاب السياسية، ويمكن للقطاع الانخراط في العمل السياسي مثل غيره من الأحزاب والمشاركة في الانتخابات والتنافس المفتوح في إطار القوانين المعمول بها.
> إذا كان وفد الحكومة في أديس أبابا يفهم أنه لا سبيل للخروج عن المسار المحدد للتفاوض بحصره في قضايا المنطقتين أوتجاوز التفويض الممنوح للآلية الأفريقية رفيعة المستوى، فمن المتوقع أن لا يناقش إلا مسائل وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية، والجوانب الإنسانية المتعلقة بتطبيق الاتفاقية الثلاثية، ثم مناقشة القضايا السياسية المتعلقة بجنوب كردفان والنيل الأزرق. وهذه المسائل أيدتها الوساطة في وثيقتها المقدمة منذ نهاية فبراير الماضي ومرجعيات التفاوض الأخرى.
> وبالنظر إلى ما تطرحه الحركة الشعبية قطاع الشمال، لا يجد المرء كبير عناء في كشف خبال هذه الفكرة التي تريد وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، فلا توجد حكومة عاقلة ولا طرف سياسي راشد يقبل بهذا... فالوقف المؤقت لإطلاق النار يعني التوقف والاستراحة للمحاربين حتى يتم التجهيز لمعركة أخرى، فمن غير المعقول أن تكون هناك مقارنة من حيث الجدية والعزيمة والمصداقية بين وقف إطلاق نار شامل ونهائي وآخر مؤقت، ويضاف لذلك الخبال ما يردده قطاع الشمال بضرورة الإبقاء على قواته في جنوب كردفان والنيل الأزرق في مناطقها لفترة خمس سنوات، وهذه فكرة بائسة لأنها تريد زرع نيفاشا ثانية في التربة السودانية الخصبة وجعل النزاع خلايا سرطانية تتمدد وتعيش مهما تم استئصالها.
> ففي جولة المفاوضات التي ستبدأ اليوم، يجب أن تكون الأمور واضحة وجلية بلا لبس ولا تعمية، وعلى الوساطة أن تكون أكثر حزماً وحسماً في تحديد حدود تفويضها وتخويلها الممنوح لها، وأن لا تسمح بتكرار القضايا والرجوع لنقطة الصفر، فالقضايا واضحة والطريق أوضح .. فإما أن يتم الاتفاق في هذه الجولة أوتعلن عن صعوبة التوصل لاتفاق وتحمّل الطرف المتعنت والرافض مسؤولية الفشل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق