الأحد، 9 نوفمبر 2014

واشنطن والخرطوم صفحة جديدة ولكن بسطور قديمة!

مع أن أصداء مهاتفة وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) لرصيفه السوداني (على أحمد كرتي) كانت ما تزال دافئة وتملأ الآفاق في العاصمة السودانية الخرطوم، أوائل الأسبوع الماضي والتي عبرت عن (رغبة أمريكية ملحة) للتباحث مع الخرطوم بشأن القضايا الخلافية الشائكة والعالقة بين الدولتين؛ إلا أن واشنطن –كعاداتها– كانت فى ذات هذه الأجواء المواتية تصدر نشرة تحذيرية لرعاياها في السودان بتوخي الحذر جراء إمكانية تعرضهم لعمليات إرهابية.
واشنطن ربما كانت تصدر نشراتها التحذيرية هذه في سياق روتيني خاص بها كدولة عظمى لها من الأعداء ما يجاوز أعداء أي دولة أخرى في العالم. ولكن بلا شك كان عنصر التوقيت صادم للغاية.
ولهذا فإن محاولة سبر غور نوايا واشنطن حيال علاقاتها بالخرطوم هي في الغالب محاولة صعبة ومضنية، ذلك إن السودان بصفة عامة لا يمكن تصنيفه -على الأقل فى الوقت الراهن- كدولة معادية للولايات المتحدة.
صحيح أن السودان -لاعتبارات كثيرة شأنه شأن أي دول عديدة في العالم بعضها وثيق الصلة بالولايات المتحدة- له مآخذ وانتقادات بعضها حاد وجارح للسياسة الأمريكية. وصحيح أيضاً أن السودان يدرك أن واشنطن خاصة في عهد الرئيس الحالي أوباما تعاني تردداً وضعفاً على أصعدة قضايا دولية بالغة الحساسية والأهمية. ولكن السودان مع كل ذلك لم يكن يسعى إلا لعلاقات طبيعية متوازنة مع الدولة العظمى.
منطلق السودان فى سعيه لهذه العلاقة الطبيعية المتوازنة منطلق طبيعي باعتباره دولة لها مصالح ولا يمكنها أن تعيش بعيداً عن دول العالم الأخرى التي هي الأخرى لها مصالح. أي أن منطلق السودان لا يتجاوز منطق العلاقات الدولية المعتادة حيث لا حاجة لعداء وعقوبات أحادية الجانب إذا كان بالإمكان التفاهم والتعامل بصورة أفضل، كما أن الأخذ والرد باعتباره أساساً للعلاقات بين كافة الدول العالم ما ينبغي أن يتوقف على مصلحة طرف وحده دون مراعاة مصلحة الطرف الآخر، فعلي سبيل المثال فإن واشنطن تستثني -لأغراض خاصة بمصالحها- بعض المنتجات السودانية (مثل الصمغ العربي) من عقوباتها المفروضة على السودان! وهو موقف غير منصف وغير عادل ولا أخلاقي!
كما أن واشنطن احتاجت وبشدة وما تزال تحتاج لمن يعينها على مكافحة ما تطلق عليه الإرهاب والسودان من منطق إلتزاماته الدولية وما يمليه عليه ضميره القانوني عاون واشنطن بصدق وأمانة فى هذا الملف الشائك ومع ذلك ما يزال إسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب!
إذن نحن أمام حالة غريبة فى هذه العلاقة فالدولة العظمى تبدو فى حاجة ماسة إلى السودان لدواعي ومبررات مختلفة تدركها هي وفي الوقت نفسه السودان لا يريد أكثر من مجرد علاقة منصفة. يبدو أن وزارة الخارجية الأمريكية -أخيراً جداً- بدأت تدرك أهمية هذه العلاقة وضرورة وضعها فى إطاراها الصحيح إذ ليس من السهل -خاصة لمن يعرف طريقة البيروقراطية الأمريكية- أن يرفع وزير الخارجية الأمريكي سماعة ليهاتف مسئولاً فى دولة أخرى دون أن يكون من وراء هذا المسلك حسابات واعتبارات بالغة الأهمية إذ من المعروف أن الكثيرين من وزراء الخارجية فى دول العالم حين يزورون واشنطن لسبب أو لآخر قد تستعصي عليهم مجرد مقابلة وزير الخارجية الأمريكي!
وعلى ذلك فإن صحّ أن واشنطن بدأت تنظر(بعمق) إلى العلاقات بين الخرطوم وبينها، فإن ما جرى من مباحثات بين الوزيرين كيري وكرتي يمكن اعتبارها بمثابة صفحة جديدة فى الملف المعقد الشائك بين البلدين. وهذا لا يعني من الجهة المقابلة أن واشنطن ربما تعيد ترتيب أوراقها على الفور مع الخرطوم؛ ربما استغرق الأمر أشهراً, أو أسابيع أو حتى سنوات أخرى ولكن ما يبعث على الأمل أن واشنطن وفى هذه الظروف بالذات فى حاجة ماسة لإصلاح العديد مما خربته بيديها فى المنطقة فإدارة أوباما اشتهرت بالضعف والتردد وقضية الشرق الأوسط ما تزال تراوح مكانها، واستمرار تقدم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فى العراق يثير قلق واشنطن.
كما أن تحسن العلاقات السودانية المصرية والسودانية الخليجية عموماً نزع من واشنطن ربما لأول مرة كافة الأوراق الداكنة التي كانت تغطي به ملف علاقاتها مع الخرطوم! ولهذا سيظل التساؤل ملحاً وقائماً حول ما إذا كانت هذه بمثابة صفحة جديدة بحروف جديدة أم بسطور قديمة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق