الأحد، 16 نوفمبر 2014

مفاوضات الخرطوم وقطاع الشمال.. كواليس ومعطيات مهمة!

الجولة الحالية الأخيرة للمفاوضات الجارية بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال هي الجولة السابعة وفق الترتيب العددي للجولات التفاوضية الماضية، وبلا شك فهي مهمة للطرفين على السواء إذ لا يمكن القول -موضوعياً- أنها مهمة لطرف دون آخر، فبالنسبة للحكومة فإن الحاجة لقدر من الأمن والاستقرار ضرورة من ضرورات المرحلة، خاصة وأن السودان مقبل بعد أشهر قلائل على استحقاق من المهم أن يجري فى مناخ سياسي مواتي. وخاصة أيضاً أن الأطروحة الإستراتيجية التي طرحتها الحكومة السودانية والخاصة بقضية الحوار والوفاق الوطني تستلزم فيما يستلزم معالجة كافة الإشكالات السياسية والأمنية على الأرض مع كافة أطراف المعادلة السياسية. 
أما بالنسبة لقطاع الشمال فإن أهمية المفاوضات وضرورات نجاحها وتحقيقها اختراقاً فى كافة الملفات تكمن في عدة أمور يدركها قادة القطاع إدراكاً عميقاً وإن تظاهروا بغير ذلك. أولاً، المعادلة فى الميدان على الأرض ليست على ما يرام بالنسبة لقوات القطاع إذ ليس سراً إن عمليات (الصيف الحاسم) التي قادها الجيش السوداني قبل أشهر قد أجبرت قوات القطاع على التراجع والانسحاب من نقاط مهمة وحصينة كان القطاع إلى وقت قريب يباهي بها. 
ومما لا جدال فيه الآن أن كبار جنرالات وقادة القطاع –جراء الضغط العسكري المهول من قبل الجيش السوداني– اضطروا للفرار خارج نطاق المنطقة والإقليم، دون أدنى أمل منظور بالعودة قريباً! وهو واقع وإن أنكره بعضهم إلا أنه (متعارف عليه) بين طرفيّ التفاوض وتسبب هذا الواقع مراراً في محاولة قادة القطاع تحاشي حضور بعض الجولات السابقة جرياً على القاعدة الذهبية المعروفة (إن النجاح على طاولة التفاوض رهين بالمدى الذي وصلت إليه فوهات المدافع على الأرض)!
ثانياً، قطاع الشمال نفسه وعلى الرغم من أنه خاض الحرب أول مرة فى العام 2011 كان يحاول إعادة إنتاج أزمة إقليم جنوب السودان واستنساخ الصورة بكاملها؛ إلا أنه وسرعان ما فقد تلك الخاصية حالما أدرك الكثيرون (وهم بمئات الآلاف) من أبناء النوبة أن خيار الحركة الشعبية ليس هو خيارهم السياسي الأوحد، وبهذا بدأت يثبت عملياً -وللقاصي والداني معاً- أنّ قطاع الشمال لا يمثل أبناء النوبة والمنطقة، فهناك عناصر أخرى من أبناء المنطقة لديهم خيارتهم السياسية الأخرى وعلى ذلك فقد فقدَ القطاع بصورة فاجعة وإلى الأبد ميزة احتكار قضية المنطقتين على غرار ما كانت تفعل الحركة الشعبية الجنوبية فى جنوب السودان في السابق، وهذا في الواقع هو الفارق المفصلي المهول الذي أضعف تماماً قطاع الشمال وأوصله إلى نقطة حرجة للغاية جعلت منه بلا خيارات إستراتجية فى التفاوض. 
بمعنى أكثر دقة فإن القطاع لا يدخل المفاوضات وفى يديه قوة تفاوضية أكثر من كونه فصيل مسلح يقوده قادة سياسيين لديهم (مشاكلهم الخاصة)! والأكثر سوءاً فى هذا الصدد أن الحكومة السودانية نجحت فى مقاتلة القطاع بوجود عناصر من أبناء النوبة أنفسهم ضمن نطاق القوات النظامية (الجيش والشرطة والأمن) فى إطار عمل وطني محض لا شأن له بالقضايا الخاصة وليست تجربة قوات الدعم السريع ببعيدة عن هذا الأمر! 
ثالثاً، القطاع ظل طوال المرحلة السابقة يراهن على القضايا الإنسانية وقضايا الأسرى، ولكن ذات هذه القضايا -في ظل أخطاء جسيمة ظل القطاع يقع فيها على الأرض وفي الميدان- لم تعد تثير اهتمام الدول الغربية وبعض أعضاء المجتمع الدولي الذين كانوا يتعاطفون مع القطاع. 
القطاع ظل يستخدم دعاية إعلامية منظمة -(إذاعة دبنقا) واحدة منها واحدة منها- ذارفاً الدموع على استهداف الجيش السوداني للأهالي والمزارعين والرعاة. والمشكلة التي لم يستطع القطاع أن يديرها بمهارة هي أن مجتمعات المنطقة ليست لديها قابلية امتصاص الأكاذيب والوقائع اليومية المختلقة إختلاقاً، وليست فرية ما أُشيع عن منطقة (تابت) بولاية شال دارفور ببعيدة عن الأذهان.
إذن إجمالاً يمكن القول إن قطاع الشمال لم تعد لديه ذات الأوراق والبريق السياسي والدعائي القديم. المتغيرات طالت كل شيء، ولهذا فإن جولة المفاوضات هذه تتخذ أهميتها -من بين عدة جوانب- من هذا الجانب تحديداً! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق