الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

(تابت) تأبى الكذب والتلفيق!

كان بالفعل حدثاً إستثنائياً ملفتاً للنظر حين قامت عشرات النساء من أهالي منطقة (تابت) الواقعة على بعد حوالي 49 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بتظاهرة غاضبة قبل يومين ندّدنَ خلالها بالمزاعم التي أطلقت مؤخراً بشأن وقوع حالات اغتصاب فى المنطقة.
القرية الوادعة التي انتاب أهلها الغضب جراء هذه المزاعم الكاذبة لم تكتفِ بتظاهرات النسوة فحسب ولكنها أرسلت وفداً إلى مدينة الفاشر فى ذات التوقيت، لتقديم مذكرة احتجاج شديدة اللهجة برفض هذه المزاعم.
المشهد كما بدا كان وحده ناطقاً بنفيّ مغلظ لتلك الأخبار التي راجت بشأن وقوع حالات اغتصاب بحق نسوة المنطقة، وكانت دلالته وحدها كافية لوضع الأمور فى نصابها الصحيح؛ ذلك أنه لو كان ما قِيل عن جرائم الاغتصاب صحيحاً، فأين هم أولئك النسوة اللائي وقعت بشأنهن الجريمة، وقد خرجن عن بكرة أبيهن -بغضب واضح- رافضين لهذه الأكاذيب؟
لقد سبقت هذه الأدلة المادية القاطعة تحقيقات البعثة الأممية المشتركة (اليوناميد) التي زارت مسرح الحادثة المزعومة وتقصت وحققت لتخلُص إلى أن المنطقة لم تشهد أية واقعة كهذه وأن ما قيل عارٍ عن الصحة تماماً. بعثة اليوناميد اضطرت بهذا الصدد لعقد مؤتمر صحفي مشترك مع حكومة ولاية شمال دارفور أعلنت فيه بوضوح (أنها لم تقف على أية آثار أو دلائل على وقوع جرائم اغتصاب فى المنطقة).
اليوناميد وعلى الفور أرسلت تقريراً ضافياً بذات هذا المحتوى إلى نيويورك، وجنيف أمسية الاثنين الماضي. وبالطبع ليس من المعروف حتى الآن من هو على وجه الخصوص الذي كان وراء هذه المزاعم الكاذبة غير المألوفة، لا في المنطقة المعنية ولا في إقليم دارفور بأسره؛ غير أن رئيس بعثة اليوناميد أشار في معرض إجابته على أسئلة الصحفيين إلى إنهم (سمعوا) بالأمر فقط من "راديو دبنقا" ولم يستطع رئيس البعثة أن يستوثق عما إذا كان راديو دبنقا نفسه قد نقل الواقعة عن جهة بعينها! الأمر الذي يجعل راديو دبنقا على الأقل حتى هذه اللحظة هو المسئول الأول عن هذه المزاعم.
من جانب آخر فإن الخبر أشار إلى أن عدد النساء الضحايا حوالي 200 أمراة! وهو أمر أثار سخرية أهل المنطقة بشدة، باعتبار أن المنطقة قليلة السكان ومن المستحيل أن يتعرّض نساؤها إلى واقعة كهذه مهما كانت الظروف. و لعل الأمر الأكثر مدعاة للاستغراب فى هذا الصدد أن العديد من الوسائط الالكترونية فى الفضاء الافتراضي تعاملوا مع الخبر -بسذاجة مفرطة- باعتباره صحيحاً  ولم يبذل هؤلاء أدنى جهد للتفكير فى جوانب أخرى ضرورية ومهمة، منها على سبيل المثال: كم يبلغ عدد سكان المنطقة (نساءً ورجالاً) حتى يتم اغتصاب 200 امرأة؟
الأمر الثاني كيف تقع جريمة كهذه من الجيش السوداني فى ظل وجود قوات اليوناميد وقوات الشرطة والعديد من المنظمات الطوعية المحلية والأجنبية؟
الأمر الثالث، متى وقعت -ولو جريمة واحدة- من قبل الجيش السوداني فى أيّ منطقة من مناطق السودان. الأمر الرابع إنسان إقليم دارفور المتشرب بكل عناصر القوة والفروسية والكرامة والمعروف بمحافظته على شرفه والموت دونه، كيف له -بكل هذه البساطة- أن يقبل بجرم بشع كهذا، وفى ذات الوقت تخرج نساؤه فى تظاهرة منددة بالأخبار الكاذبة ويصل وفد منه إلى الفاشر محتجاً على هذه المزاعم؟
إن من المؤكد أن الذين أشاعوا الواقعة ليست لديهم أدنى معرفة بالجيش السوداني من جهة، وبإنسان إقليم دارفور من جهة أخرى وطبيعة المنطقة التي دارت حولها المزاعم من جهة ثالثة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق