الأحد، 16 نوفمبر 2014

التعديلات الدستورية بشأن اختيار الولاه.. جدل ديمقراطي قديم!!


ثارو ما يزال يثور الجدل تباعاً في الساحة السياسية السودانية حول التعديلات الدستورية التي تزمع الحكومة السودانية أدخالها علي النصوص الخاصة بانتخاب ولاة الولايات.
المؤيدن للتعديلات والمناهضين لها كل بحججة وأسبابه، اذ أن الذين يؤيدون التعديلات يبررون ذلك بالآثار السالبة التي خلفتها عملية انتخاب الولاة مثل تكريس النعرة القبلية واستدعاء العامل الجهوي بقوة.
بالمقابل فإن الذين يرفضونها يطالبون بالمزيد من الممارسة الديمقراطية!
وبين هذا وذاك تبدو أموراً مهمة قد غابت عن الكثيرين كشأن الممارسة السياسية – غير الناضجة - لغالب القوي السياسية السودانية.
فمن جانب أول فإن من المهم التأكيد علي أن تجربة إنتخاب الولاة والتي مضت عليها سنوات طويلة نسبياً كانت وما تزال في حاجة الي مراجعة ودراسة ومعرفة سلبياتها وايجابياتها ذلك أن المقصد من وراء عملية الانتخاب – كما قد يتهم البعض خطأً – ليس هو فقط تعميق الممارسة الديمقراطية.
صحيح أن الحكم الفيدرالي يقتضي تعميق الممارسة الديمقراطية وأن انتخاب رأس الدولة يقتضي بالمقابل أيضاً أنتخاب رأس الولاية المعنيه حتي يتناغم وجوده مع انتخاب رأس الدولة وأنتخاب المجالس التشريعية، ولكن ما يفوت علي البعض أن سلطة وصلاحيات ولاة الولايات وفق نظامنا السياسي السائد حالياً في السودان مستمدة أصلاً من سلطة رئيس الدولة، إذ أن رئيس الدولة هو المسئول الأول عن تمثيلها سيادياً وتنفيذ برامجها ورئاسة السلطة التنفيذية ومن ثم فإن والي الولاية – أي ولاية سودانية – بهذا الصدد هو مثل الوزير الذي يختاره الرئيس – وفق قرار حر – ليعاونه في ادارة الشئون التنفيذية، فالوزراء في الأنظمة الرئاسية هم في الواقع مجرد مساعدين يأخذون تفويضهم من الرئيس لمعاونته في مهامه وهم بذلك يعبرون عنه وعن خططه وبرامجه ولم ينتخبهم – أي الوزراء – أحد وانما اختارهم بمحض ارادته الرئيس المنتخب لان من بين الأمور التي أنتخب الرئيس من أجلها اختياره لوزراء أكفاء يساعدونه في أداء مهامه.
وعلي ذلك فإن الوالي ليس أكثر من مسئول علي مستوي الولاية ينفذ سياسات الرئيس لأننا لو افترضنا أن الوالي يتمتع بلسطان خاص بعيداً عن الرئيس فإن من المحتم أن يقود هذا الوضع في يوم ما إلي صدام محتمل بين الوالي والرئيس وهو ما لا يرجوه أحد.
ومن جانب ثان فإن الحكم الفيدرالي نفسه ليس (قالباً واحداً) في كل دول العالم فالولايات المتحدة تتمتع بنظام فيدارالي فريد من نوعه ولا يخلو من تعقيد وتمت عملية بنائه طوال عقود صعبة وشاقة وليس بطبيعة الحال وليد يوم وليلة بنيجيريا هي الأخري تتمتع بنظام حكم فيدرالي مختلف أيضاً، سويسرا هي الأخري لها نظام يختلف عن الاثنين نيجيريا والولايات المتحدة، وهكذا الأمر يرتبط بظروف كل دولة وأمكاناتها وثقافتها وتقاليدها وليس من المنطقي الزام السودان بنظام فدرالي بعينه.
وعلي ذلك فإن تجربة السودان في هذا الصدد تحتاج بالعقل لتراجع ومراجعة اذ لا يمكن لعاقل أن ينكر أن ديمقراطية إنتخاب الولاه قد عملت علي تكريس الممارسة القبلية، اذ لم تعد الصراعات بين الأحزاب والقوي السياسية وأنما أًصبحت ما بين القبائل بعضها بعضاً ومن ثم فإن من شأن استمرار وضع كهذا أن يفضي في خاتمة المطاف إلي افراغ كل من الحكم الفيدرالي من جهة، والممارسة الديمقراطية من مضونهما لأن الحكم الفيدرالي قام علي أساس أن تحكم الولايات نفسها باستحداث مجتمع متجانس وأجهزة ديمقراطية علي أدني مستويات المناطق والمحليات ومن ثم الولايات، فإذا كانت التجربة السابقة لم تنجح في ترسيخ هذا الهدف السامي واختصرت فقط علي تكريس البعد القبلي فإن من الحكمة ايقاف التجربة وافضاعها لدراسة عميقة كما أن من المهم أن تشعر المجموعات والقبائل السودانية المختلفة أن الأمر استلفت نظر الجميع وأن ضرورات التطور والتقدم إقتضت تحاشي هذا الوضع مؤقتاً الي حين إنتشار قدر من الوعي واستحداث آليات جديدة كفيلة بتقليل العامل القبلي في الممارسة السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق