الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

المهدي في زيّ الجبهة الثورية في باريس!

من المؤكد أن المعلومات البالغة الخطورة التي أماط اللثام عنها الرئيس البشير مؤخراً بشأن محتويات إعلان باريس الموقع بين زعيم الأمة القومي المهدي والجبهة الثورية فى الثامن من أغسطس الماضي والتي تمثلت في إسقاط الحكومة السودانية -بالقوة- والاستيلاء على مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وجعلها عاصمة مؤقتة للسلطة الجديدة؛ من المؤكد أن هذه المعلومات هي السبب الرئيسي الذي جعل السيد الصادق المهدي ومنذ توقيعه لهذا الإعلان يفضل البقاء في الخارج.
لقد كان البعض يعتقد أن الحكومة السودانية ناقمة فقط على المهدي لتوقيعه اتفاق مع قوة مسلحة تحمل السلاح وتقاتل الدولة. وربما كان البعض يلقي باللوم ويوجه النقد للحكومة السودانية كونها توعدت المهدي وهو في باريس ولم يجف مداد توقيعه بالمساءلة القانونية، وربما تعاطف البعض أيضاً -من منطلقات مختلفة- مع السيد الصادق كونه قام بمجهود سياسي على أية حال لخدمة قضية التوافق الوطني في السودان.
ولكن من المؤكد أن أحداً لم يكن مدركاً لفداحة ما قام به المهدي ولعل الأكثر سوءاً في هذا الصدد أن المهدي أخفى حقيقة ما وقّع عليه حتى على اقرب الأقربين إليه، فالرجل يدرك مترتبات موقف مشين كهذا من سياسي عتيق ظل لعقود خلت يباهي بحبه للديمقراطية وأنه لا يجلس على مقعد سلطة سياسية إلا عبر صندوق الانتخابات وعبر إرادة شعبية!
إخفاء المهدي لهذه الحقيقة المفزعة فى حد ذاته دليل ساطع على أن الرجل كان يخلع ثيابه الديمقراطية والمبدئية في العاصمة الفرنسية باريس ربما مسايرة منه لثقافة أزياء البحر الباريسية المعروفة!
إن أكثر ما يؤكد ما رواه الرئيس البشير جملة وقائع ظرفية وقرائن لا تقبل إثبات العكس كما يقول خبراء القانون أولها: أن الإعلان المعلن عنه والذي أوردته وسائل الإعلام المختلفة لم يكن يستحق كل ذلك العناء، وكان واضحاً للمراقبين أن (شيء ما) أخفاه الطرفان بعناية بعيداً عن الأضواء والأنوار الكاشفة. فقد سافر المهدي إلى باريس بطرق سير ملتوية وتمويهية وأخفى خط سيره حتى عن اقرب مساعديه في الحزب الذي فوجئ بعضهم -وهم في المكتب القيادي- بالإعلان على صفحات الصحف ووسائل الإعلام. لو كان إعلان باريس -بتلك البساطة وتلك البراءة- لما أحتاج الأمر كل هذه المشقة!
الأمر الثاني، السعادة والجزل المدهش الذي بدا واضحاً على ملامح قادة الثورية وهم في حضرة المهدي وابنته مريم؛ فقد كان من النادر أن يتلقي عرمان وعقار وعبد الواحد وجبريل إبراهيم ومناوي و يجلسوا إلى المهدي -بكل تلك الأريحية والتبسط- لو لم يكن الأمر يستحق والجائزة كبرى! فإذا علمنا أن جزء من الخطة يقتضي الاستيلاء على مدينة الفاشر لكفانا ذلك سر جزل عبد الواحد على وجه الخصوص واطمئنانه إلى المهدي!
الأمر الثالث أن المهدي رغم كل قدراته فى الإقناع وعلاقاته الإقليمية والدولية فشل في تسويق إعلان باريس سواء فى المحيط العربي أو المحيط الأوربي وهذا مرده إلى أن كل من إلتقاهم المهدي سواء في القاهرة أو بعض العواصم الأوروبية (كانت لديهم معلومات كافية) عن الإعلان، وكان المهدي يعتقد أنهم لا يعلمون!
المفارقة هنا أن من إلتقاهم المهدي من المستحيل أن يؤيدوا مسعى انقلابي يجري التخطيط والإعداد له، إذ أن مثل هذه الأمور تقدح فى أهلية أي مسئول عربي أو أوربي يوافق عليه، ويبدو أن المهدي فاتت عليه هذه الحقائق البسيطة المعروفة دولياً وسعى لبيع الماء فى حارة السقايين!
وعلى كلٍ فإن الرجل تلقى فى منفاه درساً قاسياً للغاية فقد انكشفت ذهنيته التآمرية وطوقته العزلة السياسية ووصل به البؤس حداً جعل زعيم الحزب الاتحادي الأصل السيد محمد عثمان الميرغني يرفض طلبه بمقاطعة الانتخابات المقبلة رغم أن المهدي تكبد المشاق وجاء إليه فى داره في لندن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق