الثلاثاء، 23 يونيو 2015

(ولاة دارفور).. تحدي الأمن والاستقرار

تحديات كبيرة تواجه ولاة ولايات دارفور الجدد الذين جاءت بهم التعديلات والتعيينات الأخيرة في الحكومة الجديدة، وعلى رأس تلك التحديات، الوضع الأمني المتأزم في الإقليم. حيث تعاني مناطق عديدة بولايات دارفور من إنفراط وتردي الحالة الأمنية، نتيجة انتشار السلاح، وتفشي حالات السلب والنهب تحت تهديد السلاح، إضافة لظهور مجموعات منظمة تقوم بعمليات تهدد الوضع الأمني بالإقليم.
والشاهد أن اغلب حالات الانفلات الأمني تقع قريباً من وفي عواصم الولايات وداخل المدن الكبيرة بالإقليم وتقود تلك التفلتات الأمنية في بعض الأحيان لمواجهات قبلية مسلحة، تؤدي إلى مقتل وجرح العشرات، وربما المئات على نحو ما وقع في ولاية شمال دارفور بين قبيلتي (الزيادية والبرتي)، وفي شرق دارفور بين قبيلتي (الرزيقات والمعاليا).
وتأتي مدينة الفاشر حاضرة شمال دارفور، ومدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور، على رأس المدن التي تشهد عمليات خطف ونهب تحت تهديد السلاح، حيث تنشط مجموعات مجهولة الهوية في القيام بتلك الأعمال الإجرامية، والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد قتل الضحية.
كما شهدت مدينة زالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور، الأسبوع الماضي حالة من الاضطراب الأمني، نتيجة احتجاجات قادها جنود تابعون لحزب التحرير والعدالة القومي بزعامة التجاني سيسي، رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، حيث تجمع الجنود بوسط زالنجي، مما أدى لإغلاق سوق المدينة بعد محاولة بعض المحتجين تنفيذ عمليات سطو احتجاجاً على تأخر رواتبهم واستحقاقاتهم منذ بدء تنفيذ الترتيبات الأمنية، مما أدى لإغلاق المحال التجارية خوفاً من عمليات النهب والتخريب، قبل أن تتدخل القوات النظامية لاحتواء الموقف.
وإن كانت مدينة زالنجي الأقل حظاً في حالة الانفلات الأمني، فإن حالة الملثمين الذين يمتطون دراجات نارية، أو سيارات للدفع الرباعي، ويجوبون طرقات المدن، ويمارسون السلب والنهب، تكاد تكون شبه مألوفة في مدينتي (الفاشر ونيالا)، ورغم حالة الطوارئ المفروضة في تلك الولايات، إلا ان حركة الملثمين المجهولين لم تتوقف، وظلت سرقة السيارات الحكومية والخاصة تتكرر يوما بعد آخر، وفي الأسبوع الماضي تمكنت شرطة ولاية شمال دارفور، من ضبط واحدة من أخطر العصابات التي تخصصت في سرقة السيارات، وبحوزتها أربع سيارات (تايوتا) تمت سرقة أغلبها خلال شهر يونيو الحالي من الخرطوم، حيث تتبع واحدة من تلك السيارات إلى السلطة الإقليمية لولايات دارفور.
وسبقت مدينة نيالا، الفاشر في علميات الخطف والنهب تحت تهديد السلاح، وظلت نيالا حاضرة في وسائل الإعلام بكثافة من خلال تلك الظواهر منذ عهد الوالي السابق د. عبد الحميد موسى كاشا مروراً بعهد حماد اسماعيل وانتهاءً بعهد آدم محمود جار النبي وينتظر من الوالي الجديد آدم الفكي الذي تسلم مهامه الاسبوع الماضي ان يضع حداً لظاهرة التفلتات الأمنية. وخلال حفل تسلم آدم الفكي مهامه والياً لجنوب دارفور، الاسبوع الماضي شرح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ(حميدتي) الحالة الامنية بكل وضوح للوالي الجديد ونبه إلى أن تساهل الردع القانوني للمتفلتين هو ما يغريهم على عدم الكف عن نشاطهم الإجرامي. وقال أن القبض على المجرمين ليس امراً صعباً لكن غياب الردع الحاسم هو ما يجعل نشاطهم متواصلاً، ودعا لمحاكم إيجازية للمجرمين الذين توقفهم قوات الدعم السريع.
وفي ولاية شرق دارفور وحاضرتها الضعين، لا تقل الأوضاع الأمنية تدهوراً عن نيالا والفاشر، وزالنجي حيث تخضع الولاية هي الأخرى إلى حالة طورائ تبدأ من التاسعة ليلاً وتستمر حتى الصباح، ومع ذلك ظلت المدينة تشهد حالات متفرقة من السلب والنهب، وتعد شرق دارفور من أكثر الولايات التي تعاني من انتشار السلاح بين المواطنين كما تعاني الولاية من شرخ اجتماعي كبير بين مكوناتها السكانية، نتيجة القتال الدامي بين الرزيقات والمعاليا، احد اكبر القبائل بالولاية. ويعد صراع الرزيقات والمعاليا من اكبر المهددات الأمنية بدارفور كافة حيث أسهم انتشار السلاح في تأجيجه وتفاقمه على نحو خطير.
وقاد ولاة ولايات دارفور الجدد، نشاطاً مكثفاً للحد من تدهور الوضع الأمني بالاقليم، وعمدت ولايتا شمال ووسط دارفور إلى التخطيط لمحاصرة الأوضاع الأمنية التي شهدت انفراطاً ملحوظاً خلال الفترة الماضية، وأقر واليا الولايتين فور تسلمها المهام رسمياً خططاً أمنية من شأنها وضع حد لعدم الاستقرار، ودخل الشرتاي جعفر عبد الحكم اسحق والي وسط دارفور، اجتماعاً مع وزير الداخلية الفريق عصمت عبد الرحمن، أمس الأول نقل فيه الوالي للوزير حزمة من الخطط الأمنية المقترحة لتأمين الموسم الزراعي بالولاية، وتفادى الاحتكاكات الموسمية بين المزارعين والرعاة.
وفي ولاية شمال دارفور، أعلن الوالي عبد الواحد يوسف عزمه تنفيذ ما قاله إنها أعمال وقائية لمواجهة الخلايا النائمة والجهات التي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار وحث منسوبي قوات الشرطة على عدم التراخي في التعامل مع المجرمين ودعا خلال مخاطبته إفطارا للشرطة بالفاشر أمس الأول إلى التحلي بالإرادة القوية والعزم في المحافظة على الاستقرار الأمني بالولاية، وقال إن الولاية بدأت تشهد تحسناً وتقدماً نحو الأفضل في الأوضاع الأمنية، وذلك بحسب التقارير اليومية التي تصله من الأجهزة المختصة، واعتبر بسط الأمن وتحقيق الاستقرار، قضية أساسية، وبدونه لا يمكن تقديم الخدمات وإحداث التنمية، ووجه رجال الشرطة بالتعامل مع المجرمين بجسارة وعدم التراخي معهم حتى لا يتم تحفيزهم وتشجيعهم على ارتكاب الجرائم.
عموماً.. ظلت قضية الوضع الأمني المتأزم في دارفور واحدة من أهم الإشكالات والتحديات التي تواجه الولاة القادمين إلى الإقليم ومع بدء مرحلة جديدة في العملية السياسية والحكم فإن الولاة الجدد خاصة في شمال وجنوب ووسط دارفور يجدون أنفسهم في مواجهة (كمين) تحقيق الأمن والاستقرار وسط كل هذه التحديات، وربما كانت الخطوات الأولية للتخطيط والتنسيق المشترك بين الولايات مدخلاً لبدء تحقيق هذا الاستقرار والأمن والغائب والمستعصي على التحقق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق