الأحد، 28 يونيو 2015

المعارضة السودانية ما بين المكابرة والمراجعة!

في مراحل وظروف مختلفة ظلت القوى السودانية المعارضة تختلف فيما بينها. تدع استراتيجيتها فى اسقاط النظام كما تدعي وتزعم وتدع همومها الاساسية وتختلف فيما بينها -مع ان الخلاف السياسي أمر مشروع ومتوقع بين اي منظومات سياسية- يجمع بينها حلف سياسي ما، إلا ان الأمر المحير فيما يتعلق بقوى المعارضة السودانية انها تجعل من خلافاتها السياسية دليلا ساطعاً ودامغاً بأنها لا تصلح لتحمل المسئولية سواء لكونها متجمعة لا تملك القوة السياسية المؤثرة، أو لأن طبيعة تكويناتها وهشاشة تحالفاتها هو نفسه مؤثر على نحو مباشر وقاتل على الاوضاع السودان.
فعلى سبيل المثال فإن قوى الاجماع التي انتهى عمرها السياسي الافتراضي قبل اشهر قلائل وأصبحت في ذمة التاريخ، تفرقت بها السبل لمجرد انها واجهت استحقاق الحوار الوطني! مجرد اطروحة سياسية طرحها الحزب الحاكم كان من المؤمل ان تصبح (طوق نجاة) لهذه القوى وتخرجها من حالة الفشل التى تعيشها تكفلت بتمزيقها إرباً! ربما دهش الحزب الحاكم نفسه من النتيجة المهولة لهذا الفشل الكبير.
قوى سياسية حتى لو لم يكن بينها رابط سياسي قوى لم تجد في اطروحة الحوار الوطني جسراً لتعبر به من حال الى حال!
نسيت هذه القوى أنها تعمل في مضمار السياسة وان السياسة هل فن الممكن، وان ما يطرح عليها حتى ولو كان قليلاً لا يشبعها بإمكانها ان تجعل منه شيئاً مشبعاً. نسيت هذه القوى أنها منظومات سياسية تعمل للمصلحة العامة وعليها ان تكون حاضرة فى اي وقت للقيام لدورها والبناء على ما يتاح لها.
الأمر المربك هنا أن هذه القوى اصلاً لم تكن تملك اية اطروحات مؤثرة ولم تنجح طوال عقدين من الزمان في بناء منظومة اهداف عميقة وجادة مرتبطة بهموم وقضايا السودان ولو لم يطرح الحزب الحاكم من تلقاء نفسه اطروحة الحوار الوطني لما شعر بوجود هذه القوى أحد. الآن -وبأطروحة الحور الوطني فقط- وبدلاً من ان تسقط هذه القوى النظام فإنها لسخريات القدر سقطت هي ولم تعد هناك الآن قوى اجماع وطني فى على الاطلاق!
الامر الثاني ان الاستحقاق الانتخابي -رغم كل ما يقال فيه- لم يفتح الباب على هذه القوى للاستفادة منه حتى لو افترضنا انها الآن دخلت الحوار الوطني وأنها ربحت فترة انتقالية وانتخابات عامة فإن من المؤكد ان هذه القوى لن تجرؤ على خوض اية انتخابات عامة مقبلة! السبب بسيط وواضح، هناك العديد من المتغيرات التى طالت الساحة السياسية سلباً وإيجاباً والمصيبة ان هذه القوى لم تدركها ولا ينتظر ان تدركها قريباً.
القوى المعارضة ايضاً اساءت إساءة بالغة استخدامها للقوى المسلحة (الثورية نموذجاً) فبدلاً من ان تستفيد من إدراكها كقوى سياسية للأوضاع في الساحة السياسية ومن ثم تدفع هذه القوى المسلحة للتفاوض الجديّ لوقف الحرب لصالح الاستقرار، فعلت العكس تماماً حيث سلمت نفسها تماماً لهذه القوى المسلحة وبدأت تشجعها على حمل السلاح ولما بدأت الهزائم الموجعة تطالها زاد الامر سوءاً وزاد موقفها هي سواء على سوئه!
إن معضلة القوى السودانية المعارضة انها مكابرة، وغير مدركة لوزنها السياسي وغير مدركة قط لطبيعة المتغيرات من حولها وما تزال -رغم كل هذه السنوات الصعبة- تعيش على حلم العودة مجددا لكرسي السلطة عبر انتفاضة شعبية او بنجاح نظرية الغلبة للسلاح!
ان هذه القوى لا غنى عنها لمصلحة مجمل النشاط السياسي السوداني، ولا يستطيع احد ان يزعم انها من المفترض ان تكون خارج دائرة الفعل السياسي وكيف يمكن ان تعي هذه القوى دورها الوطني؟ ومتى وكيف تتمكن هذه القوى من الاستفادة من أية معطيات موجودة في الساحة لتطور نفسها والبداية من نقطة بعينها حتى ولو كانت نقطة الصفر؟
هذه المعضلة في الواقع وبعيداً عن اي مزايدات او خصومات سياسية هي معضلة خاصة بهذه القوى المعارضة وعليها ان تجد لها الحل لوحدها والحل في يديها وبين كفيها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق