الثلاثاء، 30 يونيو 2015

هل نجحت قوات الدعم السريع في قصم ظهر التمرد في السودان؟

لعل من ابرز التطورات الايجابية التي عادة ما تستوقف أي مراقب للشأن السوداني في العامين أو الثلاثة الماضية أن بذور العمل المسلح والتمرد بدأت تموت داخل التربة السياسية السودانية سواء لأسباب تتعلق بالابتكار في طريقة مواجهة الحركات المسلحة كما هو الحال المتمثل في تجربة قوات الدعم السريع، التجربة الحية الأكثر حضوراً حتى هذه اللحظة في الساحة السياسية السودانية؛ أو لأسباب تتعلق بعدم صلاحية التجربة نفسها لإنبات مثل هذه النباتات.
فبالنسبة لتجربة قوات الدعم السريع فإن أكثر ما يلفت النظر في هذه التجربة على حداثتها وقِصر عمرها: أولاً، أنها مثلت ردة فعل صاعقة للحركات السودانية المسلحة إذ ربما للمرة الاولى يعرف حملة السلاح أن هناك قوات تتبع للجيش السوداني تقاتلهم بذات تكتيك حرب العصابات، تباغتهم ولا يستطيعون مباغتتها، وتحاصرهم عند هجومهم على منطقة ما -ولا تدعهم بحال من الأحوال ينسحبون. تلاحقهم بخفة ورشاقة لا وتدعهم أبداً يهنئون.
وما من شك أن هذا التطور أفشل تماماً كل تكتيكات الحركات المسلحة وأفرغ تمردها من مضمونه ولهذا ربما لهذا السبب قال جبريل إبراهيم في حديث ساخن مع ثلاثة من قياديي حركته عقب هزيمة الحركة في منطقة (قوز دنقو) في ابريل الماضي "إن على الحركات المسلحة إعادة النظر في تكتيكاتها وعليها أن تعمل على التفوق على الجيش الحكومي". وأضاف جبريل "الناس ديل عرفوا يعضونا من وين"! ثم يضيف جبريل بنبرة أكثر حزناً وأسى: "لو استمرت الحكومة تواجهنا بالطريقة دي لا ح نقدر ننتصر عليها ولا ح نقدر نطور قواتنا.. أنا دايركم تفكروا في طريقة نقلب فيها المعادلة". إنتهى حديث جبريل ولكن لم تنته بعد مخاوف وهواجس حركات دارفور المسلحة وقطاع الشمال إذ يكفي فشلاً لهؤلاء أنهم لم يسمعوا بقوات الدعم السريع هذه إلاّ عندما واجهوها فعلاً في ميادين القتال. إذ على الرغم من إدعاء حملة السلاح بأن لديهم استخبارات قوية وأقمار اصطناعية وستلايت وغيرها إلا أنهم فوجئوا تماماً بقيام قوات الدعم السريع ودخولها إلى ميادين القتال مغيِّرةً وإلى الأبد معادلة الحرب في السودان.
ثانياً، أنها مثلت إحباطاً كبيراً لجيل الصف الثاني من حملة السلاح في شتى الحركات المسلحة الذين كانوا ينتظرون الدفع بهم -في غضون أشهر قلائل- للصفوف القيادية الأمامية في هذه الحركات. وبعضهم كان يؤمل أن يتولى الزعامة، خاصة في حركة جبريل التي يتسابق فيها قادة المقدمة إلى الجلوس على مقعد الزعامة، ولكن الكل يسأل نفسه ما فائدة بلوغ قيادة الحركة وزعامتها إذا كانت الحركة تواجه تهديداً جدياً وصريحاً لوجودها من قبل قوات الدعم السريع؟
ولك أن تتصور عزينا القارئ أن الشعور الطاغي داخل حركات دارفور المسلحة بالوجود المؤثر لقوات الدعم السريع ومهارتها تسببت في أن تفقد الحركات الدارفورية المسلحة أعداد متفاوتة من منسوبيها من الجيل الثالث، إجمالا تقديرهم بحوالي 3700 عنصر ما بين العشرين والخامسة والثلاثين انسلخوا من الحركات الدارفورية في الفترة من 2014 حتى مارس 2015م لشعورهم بأن الدعم السريع لن تدع لهم الطريق سالكاً لكي يكونوا مؤثرين ومن ثم يكون لديهم مستقبل.
ثالثاً، الأطراف الإقليمية والدولية هي الأخرى صار دعمها لبعض الحركات المسلحة موضعاً للتساؤل من قبلها، فهل بإمكان هذه الحركات المسلحة المحافظة على وجودها فقط؟ فالأمر المربك في هذا الصدد أن قوات الدعم السريع لم تعد تدع الفرصة لحركة من الحركات لكي ترتكز في المنطقة التي تختارها. هناك احتمال مستمر أن تفاجأ أية حركة من الحركات بهجوم مباغت من قوات الدعم السريع.
أطراف إقليمية ودولية بدأت تدرك أن الحكومة السودانية ابتكرت الترياق المناسب للحركات المسلحة ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تستطيع أي حركة سودانية مسلحة أن تصمد لأكثر من عام واحد في ميادين القتال، ومن ثم فإن المجتمع الدولي هذه الأيام يعصف به القلق ويتلكأ في مناقشة إستراتيجية خروج اليوناميد من إقليم دارفور. المجتمع الدولي على إدراك بأن قوات الدعم السريع قد سدت كافة المنافذ وأنها لا تعبث!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق