الأحد، 28 يونيو 2015

بسبب اليوناميد.. مواجهة مرتقبة بين واشنطن والخرطوم!

كان واضحاً ان واشنطن الملدوغة من جحر جوهانسبرج وتداعيات فشل لاهاي في توقيف الرئيس السوداني إبان مشاركته في القمة الافريقية الاخيرة عادت الى نيويورك وهي تحاول تفادي لدغة أخرى أشد ألماً، هذه المرة على صعيد سعي السودان لإعداد استراتيجية خروج قوات البعثة المشتركة العاملة فى مهمة حفظ السلام في اقليم دارفور والمعروفة باليوناميد.
الهجوم السافر (وغير الدبلوماسي) الذي شنته المندوبة الامريكية فى الامم المتحدة بشأن استراتيجية خروج البعثة من دارفور يمكن اعتبارها صدى مباشر لخيبة الامل التي ما تزال تكابده واشنطن جراء نجاح السودان والقادة الافارقة في محفل جوهانسبرج الاخير في تشييع المحكمة الجنائية الدولية –كما قال الرئيس بحق- الى مثواها الاخير.
المندوبة الامريكية (سامانتا باور) المعروفة بتشددها وغطرستها لم تكن فى الواقع تدافع عن مصالح بلادها بشأن خروج اليوناميد من دارفور. صحيح ربما كانت استراتيجية الدولة العظمى ملاحقة السودان في كل خطوة دولية واحتوائه وعدم تمكينه من تحقيق ذاته بحال من الاحوال. وصحيح أيضاً ان واشنطن ربما تستشعر (فشلاً ذريعاً) وهي ترى السودان يستعيد سيادته الوطنية التامة ودون ان ينحني لمطلوباتها أو ان يدور فى فلكها ولكن من الناحية الموضوعية المجردة فإن واشنطن لا مصلحة لديها فوفق منطق العلاقات الدولية في عرقلة خروج القوات المشتركة من دارفور بل على العكس فإن بقاء هذه البعثة بظروفها المعروفة وحاجتها للحماية السودانية بدلاً من ان تقدم هي الحماية للمدنين -وفق منطوق تفويضها- يجعل منها عبء أمني ضخم على المجتمع الدولي بغير طائل، وفي كل يوم يمر تزداد هذه البعثة تراجعاً وتتحسن الاوضاع في دارفور بمجهودات الحكومة السودانية ويتسع نطاق الصرف عليها.
في الواقع ان عرقلة واشنطن لهذه الاستراتيجية مع أنها حق أصيل من صميم حقوق السودان يوم ان تقرر ابتعاث هذه البعثة المشتركة يمكن ان تستند الى عدة اعتبارات أبعد ما تكون عن الموضوعية:
أولاً، كانت واشنطن من اولى الدول الكبرى التى سعت سعي حثيث لإبتعاث هذه البعثة المشتركة الى دارفور بحجة حماية المدنيين في العام 2006م. التصور الامريكي حينها كان السير في مسار احتواء السودان ونزع سيادته الوطنية عنه تماماً ومن ثم فتح الباب واسعاً لتقسيمه الى اقاليم ودول مستقلة (محاضرة آفي ديختر) الشهيرة.
الآن مضت زهاء الثمانية سنوات او تسعة دون ان يلوح في الافق ولو نذر يسير من هذه الاهداف. السودان ورغم انفصال الجنوب استعاد عافيته الامنية والسياسية بدرجة كبيرة. اقليم دارفور نفسه عاد الهدوء اليه دون ادنى مجهود من البعثة المشتركة. من الطبيعي اذن ان تستشعر واشنطن قدر من الخيبة إزاء هذا الوضع وتسعى لعرقلة الاستراتيجية أملاً في عقد صفقة او اجراء مساومة مناسبة تحقق جزء من اهدافها طالما لم تتحقق بابتعاث البعثة.
ثانياً، شعور واشنطن ان السودان بدأ يتحلل بجهده الذاتي من القيود الدولية والقيود الامريكية (العقوبات الاحادية) في ذات الوقت الذي لم تتغير فيه المعادلة السياسية على مستوى الحكم حيث ما يزال النظام الذي عادته لعقود قوياً وقادراً على العمل وتطوير نفسه، وهو شعور شديد الوطأة عليها خاصة في الظروف الدولية الراهنة ومجرد اعطاء (وعد) للسودان بخروج قوات حفظ السلام منه معناه بطريق مباشر وغير مباشر ان الاوضاع في السودان عامة -وإقليم دارفور على وجه الخصوص- بدأت في التحسن، بمعنى ان المجتمع الدولي يقر صراحة ان الاوضاع في السودان قد تحسنت وهو ما لا تريد واشنطن مهما كانت الظروف ان تمنحه للسودان مجاناً وبهذه السهولة، وهو ما يدفعنا للقول ان واشنطن سوف تسعى لا محالة للبحث عن (مخرج افضل) يحفظ لها هيبتها ويقلل من قيمة استراتيجية الخروج.
ثالثاً، اذا ما منح المجتمع الدولي استراتيجية خروج -ولو بعد خمس أعوام للسودان فإن هذا في نظر واشنطن -بحسب مصالحها الخاصة- انتصار للسودان في قيامه بواجبه بعيداً عن تأثيرات القوات الدولية. واشنطن رغم علمها بفشل مهمة البعثة المشتركة لا تريد ان تصدق على هذا الفشل وهذا ما يجعلنا نتوقع ان تسعى الدولة العظمى هي وحلفائها في المرحلة المقبلة باتجاه زعزعة الاوضاع فى السودان سواء في دارفور او في المناطق التى تنشط فيها الحركات المسلحة بجنوب كردفان.
لقد تمت صناعة الازمة فى اقليم دارفور لأغراض إستراتيجية دولية ومن الصعب التسليم بفشل هذه الصناعة من قبل الذين صنعوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق