الخميس، 25 يونيو 2015

الحكومة والمعارضة في السودان ..مفارقات محيرة!

تبدو كل قطاعات المعارضة السودانية سلمية كانت ام مسلحة في أشد الحاجة لإعادة النظر في مواقفها حيال الحكومة ونحن هنا لا نطالبها بتغيير تكتيكاتها في هذا الصدد اذ أن الامر المحير هنا أن هذه القوى المعارضة جربت كافة تكتيكات العمل المعارض وغيرت وبدلت ولكنها لم تستطع ان تغير او تبدل في جوهر الامر شيئاً.
غالب قوى المعارضة الموجودة الآن فى الساحة خاضت العمل المسلح، ثم ولجت مضمار السجال السياسي، كما جربت محاولات استثارة الشارع دفعه للانتفاض، وجربت ايضاً والغريب أنها ما تزال تجرب المضمار الدولي سواء على صعيد تحريض المؤسسات الدولية او التحالف –تكتيكياً– مع بعض الدول الكبرى.
هذه التكتيكات جميعها واحدة تلو الآخر لم تحقق أية نتيجة ملموسة، ومن المؤكد ان الامر يستحق المراجعة واعادة النظر. ولكي نبسط الامر على بساط حقائق الواقع بصورة اوضح فإننا نحاول التمعن في المعادلة الماثلة:
أولاً، لقد توفر للمعارضة السودانية بكل قطاعاتها سلمية ومسلحة موارداً مالية مهولة ودعم متدفق من اتجاهات مختلفة (سلاح، دعم سياسي، اسناد في المفاوضات) وهو ما لم يتوفر مطلقاً للحكومة السودانية بحيث لا نغالي إن قلنا ان ما توفر للقوى المعارضة في العشرين سنة الماضية لو توفر نصه فقط للحكومة السودانية من المجتمع الدولي لحدث تحول غير مسبوق في اوضاع السودان السياسية والاقتصادية دون ان يمس ذلك مصالح القوى الكبرى ومخاوفها غير المبررة من طبيعة النظام الحاكم.
وعلى سبيل المثال فقط فإن حاصل جمع ما حصلت عليه القوى السياسية المعارضة اجمالاً والقوى المسلحة المختلفة في سنة واحدة فقط ومن واقع مقايسات اجريناها يفوق الـ11 مليار دولار! وبالطبع بالإمكان ان نتصور حجم هذه الأموال -دعك من الاسلحة والحوافز المادية الشخصية- في عشرين عاماً! على الجانب الاخر فإن السودان وجراء العقوبات الامريكية الاحادية الجانب فقط، فاقت خسائره الاقتصادية الـ40 مليار دولار.
ثانياً، لا حاجة لنا لملاحقة الصرف الضخم الذي حظيت به الحركة الشعبية الجنوبية وجيشها الشعبي طوال حربها الضارية ضد الخرطوم منذ العام 1983 فقط وحتى العام 2005 تاريخ توقيع اتفاقية السلام الشاملة. ولكن بعض الخبراء الاقتصاديين يقدرون هذا الصرف على اقل تقدير بما لا يقل عن (120 مليار دولار)!
هذا الصرف المهول انتهى به المطاف حالياً الى بؤرة ومستنقع صراع دامي من المنتظر ان يتسع نطاقه ويتواصل نتيجة للعامل القبلي المدمر الذي استفحل في دولة جنوب السودان بعد كل هذه الصرف المالي والدعم وانشاء الدولة المستقلة. لنا ان نتصور النتائج الاخيرة المختلفة لو ان هذا المال كان قد تم توجيهه لتنمية وتطوير السودان، بل دعونا من هذا، ما هو المردود المنتظر الآن -وقد رأى الجميع نموذج دولة لجنوب- من مواصلة دعم قطاع الشمال والثورية بتكرار الخطأ المميت وإهدار الأموال؟ فحتى لو كان المقصود هو تدمير السودان وتقطيع أوصاله، فإن الاسلوب لا يبدو منطقياً ومتسقاً مع معطيات الذكاء في مثل هذه المؤامرات والألاعيب الدولية!
ولكن ما يهمنا هنا هو لماذا عجزت المعارضة الجنوبية المسلحة الممثلة في الحركة الشعبية الجنوبية -رغم هذا الدعم المقدر ولأكثر من عشرين عاماً- في تحقيق نصر على الحكومة المركزية في الخرطوم وانتراع اقليمها انتزاعاً؟
ولماذا ما تزال كل القوى المسلحة النشطة الآن في السودان في جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور عاجزة عملياً عن احراز أي نجاح في سعيها للسيطرة على الاوضاع في السودان رغم كل هذا الدعم؟
ثالثاً، فيما يلي القوى السياسية المعارضة التى تجد ذات الدعم الدولي وتستفيد من تحالف القوى الدولية الكبرى على الحكومة وتواتيها فرصاً تاريخية نادرة -تارة الحوار الوطني وتارة الاستحقاق الانتخابي- بينما الحكومة تعاني الأمرّين من حصار اقتصادي وعقوبات دولية وملاحقات مستمرة ولا تنجح –مجرد نجاح ولو لمرة واحدة– هذه القوى السياسية المعارضة في تسجيل نقطة ضد الحكومة؟
لا شك ان الحكومة السودانية رغم هذا الاختلال الواضح في المعادلة بينها وبين القوى المعارضة تتفوق على القوى المعارضة ببعض الميزات والمعطيات المتاحة ومتوفرة لقوى المعارضة ولكن الاخيرة لأسباب بعضها يتعلق بضعف صلتها بشعب السودان وبعضها الآخر يتصل بخطابها السياسي البالي وبعضها أيضاً يرجع الى تجارب شعب السودان الماضية مع هذه القوى، فشلت وستظل تفشل في معرفتها دعك من استخدامها، ولكننا رغم كل ذلك نلحظ ونستغرب من هذه المفارقة والتى تجعلنا نزجي احترماً خالصاً للحكومة السودانية كونها ما تزال قادرة على المواجهة، في حين تعب خصومها تماماً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق