الخميس، 18 يونيو 2015

معارضة تجاوزها الزمن!

مع كل الحراك السياسي الكثيف الذي تشهده الساحة السياسية السودانية الآن والمتغيرات المهولة التي تجري هنا وهناك والتي  تمهد بلا أدنى شك لعملية تحول ديمقراطي متدرجة وسلسة، إلا أن القوى السودانية المعارضة تبدو كمن تعيش ففي عصر آخر!
السيد الصادق المهدي ما يزال في منفاه الاختياري بالعاصمة المصرية القاهرة وهو يعقد التحالفات التي تلتئم لتنفض ويصدر الإعلانات السياسية سريعة التبخر، وبالكاد يسرِّي الرجل عن نفسه بالسفر إلى بعض العواصم الأوربية للمشاركة في مؤتمرات روتينية بادرة أملاً في أن يظل في بؤرة الضوء.
المهدي ما يزال يتبجح -دون أدنى حياء سوداني- أنه لم يكمل المهمة التي خرج من أجلها (بقرار) من الحزب! مع أن من المستحيل تماماً أن نتصور إبتعاث حزب لزعيمه في مهمة إلى الخارج غير محددة المعالم، بلا سقف زمني ودون برنامج واضح!
قوى الإجماع الوطني -وهي التحالف الأكثر إثارة للضحك والبكاء معاً- قررت قبل أيام فصل 3 أحزاب منضوية تحت لوائها. وهو قرار وبغض النظر عن ملابساته يشي بأن الاسم منذ البداية لم يكن له أدنى نصيب من المسمى ولا المسمى يستحق ولو نذراً يسيراً من الاسم! الأمر في مجمله محض استهزاء قوى سياسية تارة بنفسها وتارة ببعضها البعض!
القوى المعارضة المسلحة سواء في دارفور أو جنوب كردفان حشرت نفسها في زاوية بالغة الضيق، فإن هي هاجمت أو خرجت من مكمنها تلقفتها القوات الدعم السريع والجيش السوداني، وإن هي ظلت في بياتها الشتوي والصيفي خرج منها الآلاف عائدين إلى مدنهم ومناطقهم بعد ما سئموا حياة الخوف والفشل.
القوى المعارضة المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية انتهى عمرها الافتراضي خاصة في أعقاب الهزيمة المريرة التي قصمت ظهر حركة جبريل إبراهيم في قوز دنقو مؤخراً! الجبهة الثورية في هذه اللحظات فقدت خيارتها التكتيكية القديمة، إذ أن أي مواجهة بينها وبين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تعني أنها النهاية ولذلك وحسبما توفر لنا من معلومات موثوقة وقاطعة، فهي الآن ترتب لنفسها لمعركة دفاعية طويلة، النصر فيها احتفاظها بوجودها لعام واحد مقبل على أقصى مدى.
وليس سراً في هذا الصدد أن الجبهة الثورية الآن (تحت التصفية الاختيارية) تماماً كما سبق وحدث قبل سنوات لما عرف وقتها بجبهة الخلاص الوطني! ذات التجربة، وذات المكونات وذات الفشل المؤلم.
هذا المشهد على الأرض سواء بالنسبة للقوى السياسية المعارضة أو تلك المقاتلة لا يعطي أدنى شعور بالأمل لان هذه القوى ليست قادرة على استيعاب دروس التاريخ واستخلاص العبر والعظات.
مئات التجارب التاريخية تجري عملية استنساخها تباعاً من قبل هذه القوى مما يشير إلى أن هذه هي بالتحديد هي الأزمة الآن في السودان؛ غياب القوى التي من الممكن أن تكون رصيداً سياسياً يرفد التجربة السياسية الشاملة ويطور الممارسة الديمقراطية. وغياب النظرة الفاحصة للمتغيرات وكيفية القفز إلى المستقبل إذ انه إذا كان ما يزال لدينا قادة سياسيين يراهنون على انتفاضة شعبية وفترة انتقالية ومن ثم انتخابات عامة -كما يفعل السيد الصادق المهدي ليل نهار منذ أكثر من 25 عاماً، وإذا كان ما يزال لدينا من يعتقد أن سلاحه قادر على وضع مقود السلطة بين يديه وتغيير الأوضاع لصالحه وبعض آخر -أكثر توهاناً وتوهماً- يساوره اعتقاد أن بإمكان عقد إتفاقية سلام تاريخية على غرار نيفاشا 2005 ومكاسبها السياسية الكبيرة كيف لنا أن نتوقع اتساع الأفق السياسي الديمقراطي في السودان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق