الأحد، 21 يونيو 2015

المواجهة التاريخية الكبرى والاستفتاء على شعبية البشير!

المواجهة مع المحكمة الجنائية الدولية منذ مذكرتها في العام 2009 لم تنته، كما انتهت الآن بالضربة القاضية في العاصمة الجنوب افريقية جوهانسبرج في قمة الاتحاد الافريقي الـ25 التى انعقدت مطلع الاسبوع الفائت.
صحيح ان المواجهة بين الخرطوم ولاهاي ظلت طوال الاعوام الست الفائتة قائمة، فقط تتنوع وتتعدد اماكن المواجهة، فهي تارة في نيروبي وأخرى في بكين، ومرة أخرى في كمبالا.
وصحيح أيضاً ان هذه المواجهة الشرسة كانت تتسم بقدر وافر من التحدي مع المجتمع الدولي، ليس لأن الحكومة السودانية مجرد حكومة دائمة البحث عن مواجهات مع المجتمع الدولي، ولكن لأن السودان في هذه الحالة بالذات -كشعب وحكومة- هو الذي تولى عملية المواجهة، وهذا ما جعل الموقف يبدو بالغ التعقيد لدى المجتمع الدولي بأسره وقادة المحكمة وكبار مسئوليها من جهة أخرى.
إن أصعب وأعقد المعارك والمواجهات هي تلك التى يكون أحد طرفيها شعباً من الشعوب، ويصبح الامر اكثر تعقيداً ومخاطرة حين يكون الشعب السوداني على وجه الخصوص هو الطرف الرئيس في تلك المواجهة.
وإذا اردنا -في عجالة- استعراض نتائج هذه المواجهة التاريخية والفوائد السياسية الجمة الناجمة عنها لمصلحة السودان فإن بإمكاننا ملاحظة الآتي: أولاً، رسخت لفرضية الارتباط ما بين القيادة ممثلة في الرئيس البشير وشعبه، حيث ساد القلق لأول وهلة في أوساط السودانيين عامة بصرف النظر عن موقفهم وانتماءاتهم السياسية جراء المساس برمز سيادتهم ثم ما لبث ان تحول الموقف الى موقف تلاحم وتعضيد، بين الشعب السوداني بكل قطاعاته ورئيسه البشير.
هذه النقطة بدت وكأنها استفتاء دولي على شعبية الرئيس فقد توحدت رؤى ومواقف السودانيين قاطبة واكتشف المجتمع الدولي -في لحظة فارقة- ان البشير بحق وحقيقة عنوان رئيس للسودان.
ثانياً، ظهور المعدن السوداني الاصيل الذي يجهله الكثير من الناس خارج السودان والمتمثل في تناسي السودانيين لخلافاتهم السياسية ووضعها جانباً مهما كانت درجة الخصومة والتركيز على رمز السيادة الاول. لقد تحدث الكثيرون ممن يبغضون الحكومة السودانية ويعارضونها وملئوا الأسافير عن أنهم لا يوافقون على مهزلة الجنايات الدولية ذات التوجه العنصري الانتقائي.
هنالك أيضاً-وبعكس مما كان متوقعاً- ممن لزموا الصمت تماماً مع أنهم في الخارج لأنهم لم يرتضوا موقفاً كهذا. وهذه النقطة ايضاً ربما تدفع المجتمع الدولي للتعامل بطريقة خاصة مع السودان وشئونه، فالذي يجري في هذا البلد المتفرد في كل شيء لا يشبه ما يتوقعه الآخرون؛؛ السودان أثبت أنه (حالة خاصة)!
ثالثاً، لسوء حظ الذين بادروا بهذه اللعبة وربما لسوء حظ محكمة الجنايات الدولية ان هذا الحراك دفع بالقادة الفارقة -أكثر من أي شيء آخر- للعمل على مواجهة لاهاي بقوة اكثر فهي استهدفتهم حتى وهم يجتمعون في عملهم الافريقي المشترك الساعي لترتيب شئون بيتهم الافريقي.
لقد رأى ولمس القادة الافارقة عن قرب وبطريقة عملية كيف تلاحقهم لاهاي دون أي اعتبار لحصانة او اتفاقية دولية الامر الذي من المستحيل ان يحدث لأي من قادة الدول الغربية والأوربية. هذه التجربة زادت من كراهية ومقت القادة الافارقة للمحكمة، وإذا كان من بين هؤلاء القادة من كان لا يزال متردداً أو حتى مؤيداً للاهاي فإن التجربة الماثلة بددت تماماً أي أمر كهذا وصار الجميع في موقف واحد يفضي الى القضاء على هذه التجربة الاستعمارية البغيضة.
رابعاً، نجح الرئيس البشير كرئيس افريقي يتحلى بقدر وافر من الشجاعة والأقدام في إعطاء الانموذج التاريخي الذي لا ينسى بأنه قائد افريقي لا يهاب ذوي العقليات الاستعمارية مطلقاً. والواقع ان الرئيس البشير استطاع ان يتقدم صفوف القادة الافارقة ويكسر حاجز  الخوف والتردد، فهو ومنذ صدور مذكرة لاهاي لم يتوقف عن المشاركة في أي محفل افريقي او عربي أو دولي سعياً منه لكسر الوهم الذي سعت لاهاي الى سجنه وحبسه فيه، وهو بهذه المثابة اكسب السودان احتراماً كبيراً في كافة اجراء المعمورة وعزز من مكانة السودان في محيطه الافريقي والعربي وتلك لعمري -وحدها- تكفي وتزيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق