الأربعاء، 24 يونيو 2015

من عجائب عرمان وتناقضاته!

الدعوة الحارة التى أطلقها ياسر عرمان لمحكمة الجنايات الدولية عشية وصول الرئيس البشير الى جوهانسبرج لكي تقوم بمسئوليتها تجاه توقيف البشير كشفت بوضوح ان أمين قطاع الشمال يتمتع بقدر واضح من السطحية السياسية ليس فقط لأن دعوته ومناشدته الحارة هذه موجهة الى محكمة ذات صبغة سياسية أبعد ما تكون عن العدالة ولا تملك آليات عملية لإنفاذ قراراتها وأوامرها فحسب، ولكن لأن العمل السياسي المعارض نفسه مهما كانت درجة الخصومة والعداء فيه إلا انه ينبغي ان يسير في سياقات وطنية واضحة، تضع اعتبار لقضية السيادة، واستقرار الدولة.
ياسر عرمان بدا وكأنه ينتظر توقيف الرئيس البشير -وبعدها مباشرة- يصبح الطريق سهلاً وسالكاً له الى الخرطوم! مكمن السذاجة والسطحية هنا في هذا الموقف يتجلى في عدة نقاط جوهرية: النقطة الأولى، الاستخدام المفرط من قبل القوى المعارضة للسلاح -أي سلاح- أملاً في ان يحقق لها أهدافها، ولا شك ان الامر لو كان بهذه البساطة -استخدام كافة انواع الاسلحة لتحقيق الأهداف- لكان عرمان نفسه الآن في موقع آخر مغاير للموقع الذي يقدم منه مناشداته للمحكمة الجنائية.
العمل السياسي في السودان حتى مع اختلاط السلاح به ما يزال يتسم بقدر كبير من شرف الخصومة والوازع الوطني على الرغم من ان بعض الذين يعارضون الحكومة السودانية بلغوا شأواً بعيداً في عدائهم وخصومتهم لبلادهم لدرجة ان بعضهم -وعرمان في مقدمتهم- لم يتورعوا فى المساهمة الفاعلة في إشاعة جو من الحروب في أجزاء واسعة من السودان وتشجيع بعض القوى المعادية للسودان لتقطيع أوصال السودانيين وفصل اقاليمه تباعاً! ولو كانت الخرطوم حريصة على تطبيق المعيار الوطني على معارضيها فإن عرمان جدير بإدانة وطنية تحرمه من حمل بطاقة هوية سودانية الى الأبد!
النقطة الثانية اذا افترضنا ان عرمان شاب عفيف اليد واللسان وأنه رجل حقوقي من الدرجة الاولى وأنه بمناشدته لمحكمة لاهاي هذه إنما يسعى -بيد نظيفة- لتطبيق العدالة سعياً نحو أوضاع حقوقية جيدة وإذا تقاضينا تماماً عن جرائم قطاع الشمال في جنوب كردفان، ترى ما الذي أجبر عرمان على التزام الصمت تماماً عن جرائم (رفاقه) في الحركة الشعبية الجنوبية بدولة جنوب السودان وهم في موجة صراع دموي تجاوز العامين حتى الآن وطال النساء والأطفال وأهلك الحرث والنسل وما يزال ضارياً حتى اللحظة؟ ما الذي ملأ فم عرمان وأعاقه عن إدانة جرائم رفاقه المتصارعين وقد كان بالأمس القريب جليسهم وذراعهم الوفي؟
هل يستطع عرمان -بأي قدر من الجرأة والشجاعة- ان يدلي بتصريحات يدين فيها الرئيس سلفا كير أو يطالب بمحاكمته، لماذا استسهل عرمان توقيف البشير وما يزال يجد مشقة بالغة في إدانة الصراع الجنوبي الجنوبي؟
النقطة الثالثة وهي ايضاً نقطة جوهرية وتتمثل في أنه وحتى على فرض توقيف الرئيس البشير؛ فإن هذا لا يعني لا من قريب ولا بعيد ان المسافة الى الخرطوم قد تقاربت بالنسبة لعرمان ورفاقه الميامين. السودان ليس بهذه الهشاشة الوطنية التى تجعله لقمة سائغة لمن يجيد طعنه في الظهر، اذ على العكس فإن المساس بالبشير سوف يجعل شعب السودان أكثر قوة وشراسة دفاعاً عن رمز سيادته ولن نغالي اذا قلنا -من واقع معرفتنا بهذا الشعب- ان أمثال عرمان في مثل مواقف كهذه -اذا حدثت- سوف تتخطفهم الايدي الغاضبة وسوف يضيق عليهم العالم على إتساعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق