الخميس، 23 مارس 2017

“في انتظار الربيع”

ظلت قضية الدين الخارجي تشكل هماً يجسم على صدر البلاد لسنوات طويلة، وتقف عقبة تحول دون تدفق الرساميل والمنح والاستثمارات التي من شأنها أن تدفع اقتصاد الدولة وتقلل من الانكماشات والتشوهات التي تسيطر على الأوضاع الاقتصادية، وتبحث الحكومة عن معالجات ناجعة للقضية المتطاولة الأمد، وأنفقت فيها العديد من المشاورات والتحالفات بغرض الوصول لصيغة تحيل أرقام الديون الكثيرة إلى عدم وتصفير العداد، وتوافدت على البلاد في العامين الأخيرين مجموعة من الوفود والشخصيات من المؤسسات العالمية للتباحث حول الديون، وقبل يومين قال حسن طه، رئيس القطاع الاقتصادي بحزب المؤتمر الوطني، إن القطاع قدم مقترحات للحكومة لإعفاء الديون الخارجية، وأعلن عن تنفيذ أربعة عشر برنامجاً للإصلاح الاقتصادي والمالي، بجانب التزامه بالإصلاحات المالية التي طالبت بها المؤسسات المالية العالمية تمهيداً للتعامل مع الصناديق الدولية، وقال طه إن البلاد قامت بالعديد من الإصلاحات في إطار المبادرات الداعية لإعفاء الديون، وكشف عن مبادرة من اللجنة الثلاثية والاتحاد الأوروبي لإيجاد حل للقضية، مؤكداً أن الدولة تعمل جاهدة مع الأصدقاء والدول الشقيقة لمعالجة الديون، وطالب طه بالتعجل لإعفاء الديون باعتبار أنها ساهمت في الحيلولة دون جلب التدفقات المالية والمنح للبلاد، ويأتي ذلك التصريح في أعقاب إشارات دفع بها الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، أعلن فيها استعداده للعمل على إيجاد حلول لقضية الدين الخارجي.
وكان إكسافير فارتادو، الممثل المقيم للبنك الدولي، أقر بالتحسن والتطور الذي حدث في علاقة السودان مع المجتمع الدولي، وطالب السودان بتوفير البيانات والمعلومات حول ديونه الخارجية، وأشار إلى أن الدول التي دعمت موقف البلاد خلال اجتماعات الربيع منها بريطانيا والسعودية، وقال إكسافير عقب لقائه بدر الدين محمود، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، مطلع مارس الجاري، إن البنك الدولي قدم مساعدات للسودان في إطار تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، متعهداً بمناقشة عملية دعم السودان.
بدوره، دعا بدر الدين محمود مسؤول البنك إلى توسيع الدائرة في اجتماع المائدة المستديرة، ليضم كبار الدائنين لمناقشة ومعالجة ديون السودان الخارجية، الذي ينعقد على هامش اجتماعات الربيع بواشنطن. وقال وزير المالية إن معظم الدول استفادت من المبادرات الخاصة بإعفاء الديون، عدا السودان، وقد استوفى الاشتراطات الفنية كافة الخاصة بإعفاء الديون، وأشار إلى توفير المعلومات والبيانات حول ديون السودان الخارجية، وأمن على عقد اجتماع المائدة المستديرة برئاسة البنك الدولي، وطالب بمشاركة البنك الأفريقي للتنمية في اجتماعات المائدة، وأضاف أن السودان سيقوم بإعداد ورقة عن ديونه الخارجية لاجتماع المائدة المستديرة، وتباحث الوزير مع الممثل المقيم للبنك الدولي حول زيارة المدير الإقليمي للبنك الدولي للسودان وإثيوبيا وجنوب السودان، وقال إن الزيارة تأتي للوقوف على تحضيرات السودان لاجتماعات الربيع بواشنطن، مشيراً إلى التغيير والتحسن الذي طرأ على علاقة السودان مع المجتمع الدولي، وقال إن الزراعة في السودان تحتاج للتمويل الذي يمثل المعضلة التي تقف أمامها، ووجه وزير المالية بتكوين فريق عمل يضم وزارات الزراعة والثروة الحيوانية والكهرباء والموارد المائية وديوان الحكم الاتحادي، لدعم الزراعة عبر البنك الدولي، وتبادل السلع الزراعية بين الدول، داعياً المجتمع الدولي إلى القيام بواجبه تجاه اللاجئين من جنوب السودان في تقديم الدعم لهم، نسبة للأوضاع الحرجة التي يواجهونها، مبيناً أن السودان قام بدوره كاملاً تجاه الجنوبيين ودعمهم، ودعا البنك الدولي إلى تطبيع علاقات السودان مع المجتمع الدولي، خاصة في ما يتعلق بدمج الاقتصاد السوداني في الاقتصاد العالمي والتطبيع بين المصارف السودانية والأمريكية، والتحويلات والتبادل التجاري.
وكان بدر الدين محمود، وزير المالية، أجرى مباحثات حول معالجة ديون السودان مع عدد من المسؤولين بالدول الدائنة خلال اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بواشنطن في أبريل من العام الفائت، بغرض الوصول إلى تفاهمات حول كيفية معالجة الديون ضمن مبادرة الدول المثقلة بالديون (هيبك)، وقبل عام من الآن وصلت بعثة من صندوق النقد الدولي تحمل برنامجاً أعدته كواحد من متطلبات النظر في حل ديون السودان الخارجية، بناءً على طلب من الحكومة السودانية لحاجتها للاستفادة من مبادرات المؤسسة المالية الدولية.
وتشير بعض المصادر، داخل المؤسسات العالمية، إلى أن إعفاء السودان من الديون دون الاتفاق على إطار أفضل لتقديم المعونات له خاصة في ظل ظروف الحروب المستعرة في أكثر من جبهة، يعد تحركاً مفتقراً إلى الحكمة، لأنه يخدم الحكومة ولا يخدم الشعب، وما بين مطالب إلغاء الديون بعد التزام السودان بتحقيق اتفاقية السلام والوصول إلى الاستفتاء الذي أدى إلى انفصال الجنوب عام 2011، وبين اتخاذ هذه الديون وسيلة للضغط على نظام الخرطوم لتحقيق السلام في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، تشتعل الخلافات بين البلاد والمجتمع الدولي من جهة أخرى، من أجل إعادة جدولة الديون.
وفي ظل التحركات المكثفة التي شهدتها البلاد والمبادرات المتنوعة في الخصوص، يبقى أمر حسم قضية الديون الخارجية معلقاً على حبال الأمل وانتظار رضا المجتمع الدولي، سيما وأن الدين يرتبط بمجموعة من العوامل في مقدمتها وقف الحرب والعلاقة مع دولة جنوب السودان، التي ترى الحكومة أنها يجب أن تتحمل جزءاً من الديون الخارجية، ولكن كل ذلك ربما يتغيّر إذا ما تم إعفاء الديون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق