الأربعاء، 29 مارس 2017

ما أبأسه وما أتعسه من طرح!

صحيح أن الحلو تمكن من اقتلاع عرمان ومن جعله هائماً على وجهه لا يدري ما يفعل بعد أن جرده من القوة الضاربة التي كان يستند عليها في حله وترحاله والمتمثلة في مقاتلي النوبة في الحركة الشعبية والذين يشكلون أكثر من (90) % من قوة قطاع الشمال، ولكن في ذات الوقت فإن عنصرية الحلو وحقده الأعمى يسّر من مهمة القضاء على مشروعه الإقصائي المسمى بالسودان الجديد، فقد حطم الرجل ذلك المشروع حين كشف ما ينطوي عليه من حقد عنصري دفين تعجز عن حمله الجبال الراسيات من خلال ما نفثه في الخطاب الذي وجهه لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة.
أغرب ما في خطاب الحلو أنه من خلال محاولته استدرار عطف أبناء النوبة وحشدهم خلفه على أسس عرقية ليخوض بهم حربه ضد جميع المكونات السودانية الأخرى عزل نفسه ومشروعه واستعدى عليه الجميع.
تأملوا بربكم حديثه عن (القضاء على التهميش بكل أشكاله وأنواعه من خلال التصدي لما سماه :(المركز العروبي الإسلامي الإقصائي)، ثم تأملوا عبارته التي تضج بالعنصرية حين حاول استعداء النوبة على ما سماه (مؤسسة الجلابة الحاكمة في الخرطوم) التي قال إنها ظلت تمارس القمع والقهر والسجون والقتل على شعب النوبة، ثم تأملوا في استخدامه الكثيف لعبارة (دولة الجلابة) التي وصفها بأنها تمارس (عنصرية بائنة وحروب ارتفعت لمستوى الإبادة والقتل على الهوية واحتلال أراضي مواطنيها المهمشين)!
لم يكتف الحلو باستعداء المسلمين والعرب في السودان بالرغم من أن معظم النوبة ينتمون إلى الإسلام بل قال (إننا لا نحارب الخرطوم لوحدها وإنما كل الدراويش على طول العالم زائداً العروبيين الشوفينيين الذين يقفون من ورائها ويمدونها بالسلاح والمؤن لإبادتنا)!
ثم واصل هجومه الضاري حتى على الشريعة الإسلامية التي وصفها بأنها (أداة الاضطهاد الأولى)، فأي تطاول وأي سفاهة وانحطاط بربكم بلغه هذا الرجل ؟!
ثم تبنى الحلو موقفاً تفاوضياً أكثر تطرفاً ، اتساقاً مع اتفاقية نيفاشا ، بعد أن أعلن عن رفضه لاتفاق نافع عقار الذي ألغاه رئيس الجمهورية باعتباره استنساخاً لنيفاشا، فقد طالب باستبقاء الجيش الشعبي كضامن لإنفاذ أي اتفاق يبرم مع الحكومة كما طالب بتقرير المصير.
العجيب أن الرجل لم يوضح على أية قطعة أرض سيجرى الاستفتاء ومن هم الذين سيستفتون ؟! هل هي الرقعة الجغرافية المسماة بجبال النوبة أم جنوب كردفان التي تقطنها مكونات قبلية أو قل عرقية أخرى، ثم هل يحق للحلو أو مجلس تحرير إقليم جبال النوبة بالحركة الشعبية أن يتحدث عن النوبة ناهيك عن شعب جنوب كردفان، ثم هل يعلم الحلو أن النوبة في الخرطوم وبورتسودان وغيرهما من مناطق السودان أكثر من النوبة القاطنين في جبال النوبة أو في جنوب كردفان، بل هل يعلم أن النوبة في مناطق سيطرة الحركة في جنوب كردفان أقل من النوبة الذين يقيمون في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة والجيش السوداني ؟.
لذلك فإن مجرد طرح هذه الفكرة استنساخاً لما فعله قرنق تعتبر من قبيل المزايدة الفارغة المؤسسة على الهواء أو على جرف هار، فعندما طرح قرنق تقرير المصير الذي تمت الموافقة عليه من جميع القوى السياسية فإنه كان معلوماً أن الأمر يتعلق بمواطني جنوب السودان المنحدرين من قبائل جنوبية وبرقعة الأرض التي تسمى جنوب السودان، أما فكرة تقرير المصير لأبناء النوبة والمنطقة المستفتى حولها فإنها مجرد أوهام وتخرصات لا تقوم على ساقين تذكرني مثلاً بفكرة أن يطرح أحد الأمريكان السود فكرة إجراء تقرير مصير للأمريكان المنحدرين من أصول أفريقية بدون أن يحدد أين سيوطنون إذا قرروا الانفصال؟!
هذا الرجل بطرحه هذا الساذج الذي يظن أنه يمكن أن يعينه كموقف تفاوضي في المستقبل يعلم مآلات ما حدث في دولة جنوب السودان بعد الانفصال كما يعلم أن المقارنة بين مشكلة الجنوب من جهة ومشكلة جبال النوبة أو دارفور من جهة أخرى تشبه المقارنة بين السرطان والصداع، ولكن نحمد الله تعالى أن جهل الرجل وعنصريته وحقده الأعمى ييسر من تحطيم مشروعه الخديج الذي أحاله الحلو إلى مسخ عنصري مشوه بالرغم من أنه يرفع شعاراً أو مشروعاً قومياً (السودان الجديد) يفترض أنه يخاطب السودان جميعه، فما أبأس طرحه وما أتعس ما ينادي به؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق