الخميس، 23 مارس 2017

قطاع الشمال.. حال يغني عن السؤال!

في خطاب مطول دفع به إلى مجلس التحرير قال عبد العزيز الحلو إنه لا يستطيع العمل مع رفيقيه عقار وعرمان (لانعدام المصداقية لديهما وتآكل عنصر الثقة)! ومضى القيادي المستقيل ليرفق مع خطاب استقالته من قيادة الحركة كنائب لرئيسها معدداً لأسباب الاستقالة قادحاً في زميليه عقار وعرمان بعبارات وأحرف ظاهرة المرارة والحرقة!
ولكن من بين كل العبارات التي حرص على إيرادها في خطابه الوثائقي المطول فإن العبارة الأكثر مدعاة للوقوف عندها طويلاً ومحاولة فك شفرتها هي العبارة التى قال فيها الحلو: (هناك أشياء غامضة ولا افهم كل دوافعهما)! هذه العبارة التي ربما بدت عادية ومتسقة مع مجمل تصرفات الحركة الشعبية قطاع الشمال والتى عادة ما يلفها الغموض، والغرابة إلا انها في سياقها الوارد في صلب خطاب الحلو المشار اليه، تبدو علامة فارقة، ومفتاحاً مفسراً لمجمل أوضاع القطاع البائس بحق وحقيقة.
فحين يقول قيادي يشغل منصباً رفيعاً في حركة مسلحة ان رفيقيه الرئيس عقار والأمين العام عرمان ليسوا مفهومي الدوافع بالنسبه له، وان هناك (أشياء غامضة)، فإن الأمر يبدو جللاً بكل المقاييس. إذ أن صيغة الخطاب وطوله، وشدة عباراته مع مهرها باستقالة تشي بأن الحلو قضى في كتابته وقتاً طويلاً، وأنه قبل ان يكتب جادل وناقش وسعى لإستكناه تلك (الاشياء الغامضة) ولكنه لم يصل إلى نتيجة قاطعة ولذا فضّل الاستقالة مع التأكيد على عدم ثقته في رفيقيه المتهمين بالغموض وعدم وضوح الدوافع!
 صحيح ان الحلو تحدث عن الترتيبات الأمنية الواردة في مسودة أعدها كل من عقار وعرمان قال انها تزمع إذابة الجيش الشعبي في الجيش السوداني وان المسودة تجاوزت ما هو متفق عليه فيما بينهم كقادة للحركة. وصحيح أيضاً ان الرجل اظهر مخاوفاً من هذه الإذابة الفورية المباشرة في الجيش السوداني وأنه يفضل ما أسماه بالتصور الممرحل الذي يمتد لـ(20) عاماً!
ولكن ومهما كانت هذه هي الحقيقة فإن أحداً لا يمكنه ان يصدق ان (ترتيبات أمنية) واردة في مسودة ولم يتم التفاوض حولها بعد، وهي وحدها التى عنت للحلو هذه (الأشياء الغامضة) و (عدم فهم الدوافع)! هذا من جانب؛ و من جانب آخر فإن العلاقة بين القادة الثلاثة امتدت حتى الآن لأكثر من 20 عاماً في الحركة الشعبية الأم، ثم توثقت في السنوات الـ6 الماضية في الحرب الأخيرة التى اندلعت في جنوب كردفان والنيل الازرق.
ولا يمكن -عقلاً ومنطقاً- ان نتصور ان قادة قضوا كل هذه المدة الطويلة في رفقة سياسية وتنظيمية ينتهي الأمر بأحدهم بأنه (لا يثق) في الاثنين الآخرين وان أمرهما غامضاً وغير مفهومي الدوافع! هذا الزعم في حد ذاته بإمكانه أن يشكل إدانة للحلو أولاً ثم للقادة مجتمعين ثم للحركة بأسرها، باعتبار أنها حركة تتعاورها (الأيادي الأجنبية) وتديرها عقول استخبارية أجنبية، قائداً سراً وتحجب عن آخر معلومة. وتلتقي بقائد وتبرم معه إتفاقاً وتدع آخر، سوءا لأسباب تتعلق بشخصية وذهنية كل قائد –حسب تصنيف هذه الجهات (استخبارية)– أو لأسباب تتعلق بدرجة ذكاء كل قائد ومدى مرونته أو تصلبه.
أما التفسير الأكثر رجاحة لهذا الخلاف الذي وصفه الحلو (بأنه وصل المبادئ) –رغم ان عبارة المبادئ هذه تبدو هنا طريفة– فهو يشير إلى ان القادة الثلاثة -لسوء الحظ- لا علاقة لهم بصميم مشكلة جنوب كردفان، إذ ان الحلو نفسه ينحدر من قبلية المساليت من ناحية الأب كما هو معروف، وعرمان وعقار لا ينتميان إلى جبال جبال النوبة وجنوب كردفان، غير ان الحلو لا يستطع -عقلاً ومنطقاً- ان يدعي إنتماءاً آخر إلى النيل الازرق او شمال السودان الجغرافي ولذا بدت له تصرفات رفيقيه غامضة ودوافعهما أكثر غموضاً، فالقادة الثلاثة يأتمرون بأوامر الحركة الشعبية في الجنوب، ومن الطبيعي ان يدركوا ولو بعد فوات الأوان أن الحركة الشعبية الجنوبية تتمزق وان تمزقها سيطالهم عاجلاً أو آجلاً.
وليس من الغريب إذن ان يكون الحلو في متاهته حقيقية لا يفهم ما يفعله رفيقيه، فحين تكون في تسلسل قيادي يتبع لدولة أجنبية وترتبط بمخابرات دولة كبرى، وترتضي توجيهاتهما، ثم تجد الحصاد هشيماً فإنك دون شك -كما فعل الحلو أقرّ صراحة- تجد نفسك لا تفهم شيئاً! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق