الخميس، 30 مارس 2017

التشرد السياسي: عرمان نموذجاً!

حينما قرر ياسر عرمان -على عجل- أن يغادر الخرطوم ويلتحق بالحركة الشعبية في أحراشها في العام 1986 كانت المفارقة التاريخية الشاخصة حينها أن الرجل فعل ذلك في ظل نظام تعددي كان على رأسه السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء!
وكتبت سطور التاريخ -وما أقاسها حين تكتب- ان عرمان ذهب ليقاتل الحريات و الديمقراطية القائمة في بلاده!
 كان أمراً يدعو بالفعل للدهشة ان ينشط عرمان فى حركة مسلحة (جهوية) تقاتل نظاماً سياسياً يوصف بأنه نظام ديمقراطي تعددي. وعلى ذلك فإن أي منطق سياسي يمكن ان يستخدمه عرمان -بعد هذا الموقف- لا يمكن أخذه على محمل الجد، و بالضرورة أي إدعاء من قبل عرمان بأنه يقف إلى جانب الحريات ونيل الحقوق يصبح محض هراء.
 هذه الإشارة ضرورية لفهم طبيعة الأوضاع التى تحيط بالرجل هذه الأيام، سواء في تفجر الخلاف بينه وبين رفيقه الحلو أو فقدانه رئاسة التفاوض أو اهتزاز مقعد الأمانة العامة من تحته! إذ أن ظاهرة عرمان تبدو محيرة لأن الملعب السياسي الفسيح وعلى إتساعه لم يسع الرجل لا في الماضي ولا في الحاضر وحتماً لا في المستقبل.
 أهدر سنيناً غوالي من عمره إهداراً لا يتطرق اليه الشك، فلم يعرف له -تاريخياً- إسهام في بناء ولو طوبة سياسية واحدة فى الدولة السودانية، وحتى على أيام الفترة الانتقالية عقب اتفاقية السلام الشاملة 2005 قضى الرجل السنوات الست بكاملها في مشاكسات وتعطيل لحركة العملية السلمية وكانت ذروة درجات الفشل الذريع الذي بلغه عرمان أنه فشل حتى في تشكيل قطاع الشمال وتنظيمه وبنائه كحزب. فقد انتشرت حينها بسببه المواجهات داخل القطاع حتى وصلت مرحلة التشابك بالأيدي والوصول إلى مخافر الشرطة!
لم يستطع عرمان بناء تنظيم الحركة الشعبية قطاع الشمال في ظل ظروف هادئة ووقف الحرب لم يسجل التاريخ لعرمان مشاركته في بناء (مركز صحي) أو مدرسة أساس او افتتاح طلمبة مياه! ما هي إذن قيمة السياسي إذا كان يزعم انه نصيراً للمهمشين وأصحاب الحقوق المهضومة، وهو لا يُرى ولا يُشاهد إلا في مواقفه المواجهات والحروب والخلافات؟
 قضى عرمان عقب اتفاقية السلام الشاملة و قيام دولة الجنوب أكثر من 6 سنوات أخرى في الحرب ومهاجمة مناطق جنوب كردفان والأفاعيل المزرية في أبو كرشولا، وتوجيه صواريخ الكاتيوشا باتجاه كادوقلي! مسيرة مطولة تجاوزت الـ30 عاماً قضاها الرجل وهو يهوي من سحيق إلى سحيق على الرغم من ان الساحة السياسية أوسع من الزاوية الضيقة التى حشر فيها نفسه وأفضت به الذل والهوان السياسي الذي هو فيه الآن بعد ان إستهوته حياة التشرد السياسي في المجاري السياسية المظلمة الضيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق