الثلاثاء، 21 مارس 2017

“السر العلني”

حملت العديد من وسائل الإعلام الخارجية في الفترة الماضية أخباراً عن الدعم العسكري المستمر من القاهرة لحكومة جوبا، لمساعدة الأخيرة في حربها المستعرة ضد المعارضة الجنوبية برئاسة رياك مشار والعديد من قيادات القبائل الأخرى.
ويرى مراقبون أن تحالفات مصر العسكرية مع دولة الجنوب وراءها عدة مطامع، تأتي في مقدمتها محاولة القاهرة السيطرة على مياه النيل وتوسيع نفوذها بعد أن فشلت حملتها الدبلوماسية في وقف بناء سد النهضة الإثيوبي، وكذلك إيجاد موطئ قدم لها بالجنوب، بعد أن فقدت صلاتها بدول الجوار بسبب مواقفها المضطربة التي أدت إلى سوء علاقاتها معها.
تعاون حربي
وفي الشهر الماضي، اتهمت القيادة العسكرية للمعارضة الجنوبية، القوات المصرية بتنفيذ هجمات جوية على مواقعها في بلدة كاكا في أعالي النيل، وأكدت المعارضة أن مصر وجنوب السودان قد أبرمتا صفقة (قذرة)، تشمل بجانب الحرب ضد المعارضة الجنوبية، حملة تخريبية سرية ضد سد النهضة الإثيوبي.
كما اتهمت قوات المعارضة القاهرة بالتورط في الصراع الجنوبي- الجنوبي، وقالت في بيان للمتحدث العسكري باسمها وليم قاد كياس، إن الطيران المصري قصف مواقعهم وأسقط أكثر من تسع قنابل ومتفجرات على مواقع تابعة لهم.
ويرى منشقون أن تورط مصر في الملف الجنوبي بدأ منذ عام 2015م، على خلفية مشروع سد النهضة الإثيوبي، وأن القاهرة بعد أن فشلت في نسف المشروع بإيقاف الدعم الأمريكي له، أصبحت مهتمة بتطويق المشروع من الخلف عن طريق الوجود في جوبا، وما يدفعها لتعزيز موقف جوبا في مواجهة مشار.
دعم متقدم
ومؤخراً اتهم منشق عن الجيش الشعبي بجنوب السودان القاهرة بالتنسيق العسكري مع الجيش الحكومي، وكشف أن وزارة الدفاع المصرية قد أوفدت فريقاً هندسياً لتقديم الدعم اللوجستي وصيانة المعدات العسكرية التي تسلمها الجيش الشعبي من القاهرة، لمساعدة حكومة الرئيس سيلفاكير ميارديت في حربه ضد المعارضة الجنوبية.
وقال المنشق أمانويل صمويل إن الفريق الهندسي المصري ينفذ عمليات صيانة للآليات المصرية المقدَّمة لجوبا والتي تشمل (23) دبابة، إلى جانب تدريب حوالى (80) من منسوبي الجيش الشعبي على استخدام الأسلحة الثقيلة، وأبان أن هيئة إمداد الجيش الشعبي بجنوب السودان تعاقدت مع نظيرتها بمصر على توفير المهمات العسكرية لمنسوبي الجيش. وأوضح أمانويل أن هذا الاتفاق دشِّن باستلام جوبا كميات كبيرة من الإمدادات العسكرية من وزارة الدفاع المصرية خلال الفترة الماضية. وأشار إلى أن الدعم العسكري المصري تعدَّى المهمات إلى مراحل متقدمة، حيث استلم الجيش الشعبي من وزارة الدفاع المصرية عدداً من الرادارات بغرض تركيبها على الشريط الحدودي مع السودان وإثيوبيا، فضلاً عن دعومات أخرى تختص بالمجال الصحي العسكري.
إستراتيجية مخادعة
وعزز حديث المنشق صمويل بأن مصر تدعم دولة جنوب السودان عسكرياً، الحديث الذي أدلى به أحد ضباط المخابرات الأوغندية في مقابلة حصرية مع وكالة أنباء جنوب السودان (SSNAA) مؤخراً، والذي أكد فيه أن الحكومة المصرية تسعى بنشاط في استراتيجية عسكرية مخادعة ضد سد النهضة الإثيوبي (GERD)، وأن مصر تساعد حكومة جنوب السودان في حربها ضد المعارضة.
وأضاف جيمس مويسيس، وهو عميل مخابرات سابق، أن مصر وأوغندا اتفقتا العام الماضي على تحقيق ما وصفه بـ”اثنين من المصالح المختلفة”. كما أوضح مويسيس سبب انضمام قوات أوغندا ومصر المشتركة ضد إثيوبيا والمعارضة المسلحة في جنوب السودان؛ وقال “إن أول هذه المصالح فشل حملة مصر الدبلوماسية في وقف بناء سد النهضة الإثيوبي، وثانيًا، فشل أوغندا في تدمير المتمردين في جنوب السودان”. وبحسب مويسيس فإن المصالح المختلفة هي التي توحد بين القاهرة وكمبالا ويضيف مويسيس: “على أديس أبابا ألا تصدق القاهرة وكمبالا في أي حديث يتعلق بسد النهضة”.
وأكد مويسيس أن مصر تتبع استراتيجية ماكرة وخادعة ضد الحكومة الإثيوبية.
كما صرح مويسيس خلال المقابلة أن الرئيس الأوغندي موسيفيني هو أول من اقترح على مصر في ديسمبر 2016 مد جوبا بالأسلحة والذخيرة لهزيمة الحركة الشعبية في جنوب السودان، وفي المقابل ستؤيد أوغندا أي حملة تريدها مصر ضد أديس أبابا، وكشف أيضًا عن وعد موسيفيني – الرئيس الأوغندي – للسيسي بجلب دول أخرى في شرق أفريقيا إلى جانب القاهرة.
اتفاقيات عسكرية
الدعم العسكري المصري لجوبا وكما يقول العديد من المنشقين من الجيش الشعبي، لم ينقطع، فمصر قامت سابقاً بتوقيع اتفاقية تعاون في المجال الأمني مع جوبا في عام 2013، وقدمت المخابرات المصرية حينها دعماً لجهاز الأمن بالجنوب شمل أسلحة خفيفة وأجهزة اتصال، بجانب تدريب مجموعة من ضباط الصف والجنود بالجنوب على عمليات الاستطلاع والإشارة والتي نفذت بواسطة الاستخبارات العسكرية المصرية، وذلك برئاسة قطاعات واو وبانتيو وملكال وجوبا.
وخلال الفترة من يونيو 2015 إلى يونيو 2016، أوضح ديفيد مور المنشق من الجيش الشعبي، أن القاهرة قامت باستيعاب عدد من ضباط مخابرات الجنوب في دورات مختلفة وفق منحة قدمتها المخابرات المصرية للجنوب، شملت دورات في مكافحة التجسس وعمل المنظمات والبعثات الدبلوماسية ومكافحة الإرهاب.
حرب المياه
وشرعت القاهرة منذ انفصال دولة جنوب السودان، في توطيد علاقاتها مع جوبا، طمعاً وخوفاً من نقص حصتها في مياه النيل، حيث بدأت في عام 2014 خطوات عملية لإطلاق مشروعات لاستغلال الفوائد المائية في مناطق المستنقعات وبحر الغزال من خلال تفعيل مشروع المنحة المصرية، لإزالة الحشائش العالقة في هذه المنطقة وإحياء مشروع جونقلي، وجرت مباحثات حينها بين وزير الموارد المائية المصري حسام مغازي وجيما نونو كمبا وزيرة الري بالجنوب، وتم الانتهاء من إعداد مسودة اتفاقية إدارة الموارد المائية بين القاهرة وجوبا، وتم حسم الخلاف والملاحظات حول هذه المسودة.
وفي نفس العام وخلال زيارة الرئيس سلفاكير للقاهرة تم التوقيع على عدد من الاتفاقات ومن ضمنها اتفاق الإدارة المشتركة لمياه النيل، ونصت هذه الاتفاقية على إنشاء جهة مشتركة بين الجانبين تتولى مسؤولية إدارة مياه النيل وتقضي بإرسال بعثة ري مصرية إلى جنوب السودان لتحديد مستويات مياه النيل بالجنوب، وتطوير آلية جديدة لإدارة الموارد من بحر الغزال وتسهيل تدفق المياه والحد من هدرها، وهو ما وصفه المراقبون بأن مصر تريد التمدد في الجنوب من أجل مصالحها الشخصية في مياه النيل، والضغط على بقية الدول التي تمتلك حصة في هذه المياه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق