الثلاثاء، 21 مارس 2017

“عودة إلى العقل”

وصلت الشكوى المستمرة من الإعلام المصري إلى منتهاها بالأمس، بعدما هاجم الدكتور أحمد بلال عثمان وزير الإعلام والناطق الرسمي للحكومة تعليق بعض الإعلاميين المصريين على زيارة الشيخة موزا للخرطوم، فبعد ردود فعل كبيرة على بعض الاستخفافات التي تفاعلت معها مواقع التواصل الاجتماعي وتناولتها على نطاق واسع وخطير، وصف بلال هذه التعليقات بالمسيئة، مؤكداً أن الخرطوم ستتعامل معها بكل جدية وحسم، وقال إن بعض وسائل الإعلام الخارجية تعمدت الإساءة إلى الحضارة السودانية، معتبراً ذلك إهانة مباشرة للشعب السوداني بكل قيمه وموروثه.
في وقت استقبلت فيه القاهرة، أمس (الاثنين)، هذه التصريحات بانزعاج شديد، وتعجب إعلاميون مصريون من هذا التركيز والهجوم على مصر في العموم، وتناول معظم إعلاميي مصر ذلك باستياء شديد، مستنكرين الاتهام المطلق لمصر وللمصريين نتيجة تجاوز بعض الإعلاميين، الذين يرون أنهم غير مشاهدين، وأن قنواتهم غير معروفة للعامة والخاصة بمصر.
السخرية تجاوز
وقال عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية، إن من حق أي شخص أن يتفق ويختلف على أي شيء، مستدركاً في الوقت نفسه، ولكن ليس من حقه أن يهين دولة ويسخر من شعبها. وأضاف حسين : “أعطي لنفسي الحق أن أنتقد حكومة بلد آخر مثلما أعطي لإعلامي في البلد الآخر أن ينتقد حكومة بلدي، ولكن التجاوز والتعدي على الدول والشعوب غير مقبول”، وتابع: “بوصفي صحفي مصري أكن كل التقدير والاحترام والإعزاز للسودان وللشعب السوداني، ولي صداقات سودانية كثيرة وزرت السودان، ولا أقبل مهاجمة أي إعلامي مصري للسودان، كما لا أقبل مهاجمة أي إعلامي سوداني لمصر، ويمكن أن أنتقد الحكومة السودانية عن طيب خاطر انطلاقاً من عروبتي، لكن أن أسخر من شعب بأكمله يعتبر تجاوزاً”، لافتاً إلى أن التنميط غير مقبول من هنا وهناك ولا يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين.
أغراض سياسية
الدكتورة أماني الطويل، مديرة وحدة الدراسات الأفريقية بمركز الأهرام الاستراتيجي، قالت من جانبها إن من يقرأ سليم حسن، العالم المصري الكبير في التاريخ الفرعوني، يعلم أن الأسرة (25) من التاريخ الفرعوني كان لها نوع من التواصل مع الحضارة السودانية، مؤكدة أن حضارة (كوش) سودانية. وأضافت الطويل أن هذه الحضارة كانت في مصر لفترة (محددة)، فهذا هو التاريخ وهو حديث موثق، ولا يمكن أن يجامل المثقفين أحدٌ في ذلك أو يتجاهله، وقالت: “وبالتالي لا يمكن القياس على إعلاميين غير مشهود لهم بالتدقيق المهني وانتشارهم على الساحة الإعلامية محدود، لطبيعة القنوات التي ينطلقون منها والتي لا يعرفها الكثيرون في مصر”، لافتة إلى أن توريط أسماء كبيرة بالسودان باتهام مصر على الإطلاق والعموم وكذلك الإعلام المصري، غير منطقي، واعتبرت أن ما حدث مجرد أقاويل إعلامية محدودة الأثر وتكاد تكون غير مشاهدة على المستوى العام وحتى الخاص في مصر. ونوهت الطويل بأنها تقرأ المشهد من باب أنه قد يلبي أغراضاً سياسية في السودان في هذا التوقيت، وقالت: “أقرأ المشهد مرتبطاً بحلايب وأراه استباقاً للحكومة السودانية لضغوط مصرية في سد النهضة”، مضيفة: “بالنظر إلى تجاهل الحكومة السودانية بأن مصر والسودان دولتا مصب، وأن مصالحهما الهيدروليكية في نهر النيل والاستراتيجية في شرق وشمال أفريقيا، لابد وأن تكون متطابقة”، كما اعتبرت أن استجابة الحكومة السودانية لهواجس لا أساس لها، تعود إلى أن مصر حالياً تعيد تأسيس علاقاتها بالإقليم، وخصوصاً في شرق أفريقيا وجنوب السودان، وقالت يبدو أن هذا يقلق الخرطوم وأديس أبابا، وتابعت “لا يمكن النظر لمشهد التوتر الحادث بين البلدين إلا في هذا السياق الشامل، وأن أي رؤية جزئية أظن أنها قد تجعل صاحبها ربما غير متوازن وتصيب المصداقية في مقتل.
احتواء الانفلات
أما يوسف أيوب، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة اليوم السابع، فيرى أن فكرة التحول من الهجوم الإعلامي إلى جهات رسمية يُشعر بأن هناك خطورة. وقال أيوب ، إنه كان يجب على الحكومة السودانية أن تحافظ على العلاقات بين البلدين، وأن تحتوي أي تجاوز أو انفلات في الخطاب الإعلامي، بدلاً من السير على دربه بما يؤثر على العلاقات بين البلدين، مضيفاً لا يستطيع أحد أن يسيطر على الرأي العام إذا انطلقت سهام النقد، وكان مطلوباً الاحتواء من الجانب الرسمي السوداني، منوهاً بأن هناك تحركات رسمية سودانية في هذا الاتجاه، وقال قرأنا ذلك جيداً بعد تسريب خطاب وزير الصناعة السوداني لوزير التجارة بحظر منتجات مصرية، وتم التسريب قبل أن يتسلمه وزير التجارة نفسه، وتابع: “اعتبرنا ذلك دلالة على خطة سودانية للتصعيد تجاه مصر، بالإضافة إلى طرح قضية حلايب بهذا الشكل، بما يشعل نار الغضب ويؤثر على مجمل العلاقات بالسلب.
الرفض التام
من جانبه، أكد حسين الزناتي عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين ومساعد رئيس تحرير صحيفة الأهرام، أن هناك تاريخ مشترك وعلاقات طيبة وتعاون بين البلدين. وقال الزناتي : “أنا من موقعي أرفض رفضا تاما إهانة السودان في مصر”، معتبراً أن ذلك لا يصب في مصلحة الشعبين، مضيفاً “بيننا مصالح مشتركة وأرفض إهانة السودانيين في الإعلام المصري، كما أرفض إهانة المصريين في الإعلام السوداني”، لافتا إلى أن العالم العربي يمر بمرحلة صعبة، وإلى أن الجميع يحتاج لحرص شديد في التناول الإعلامي بدعم الإيجابيات والبعد كل البعد عن السلبيات، وقال حتى لو كان بيننا اختلافات سياسية في وجهات النظر، يجب أن يكون هناك إعلام هادئ ورصين، مؤكدا أن العالم العربي يمر بظروف استثنائية وأن هناك مؤامرات تحاك ضده، ويجب أن ينتبه الجميع، داعيا إلى إعلام هادئ بين مصر والسودان يعمل على احتواء الخلافات.
في كل الأحوال، بات المشهد أكثر قتامة على طريق تطور العلاقات المصرية السودانية، وأن نار الخلاف جاءت من مستصغر الشرر، ودخول الجانب الرسمي السوداني على خط الهجوم قد أشعل النيران، في وقت لا يوجد فيه أي رد مصري رسمي مقابل، فهناك صمت رهيب على الجانب الرسمي بمصر، وربما تنظر القاهرة لحديث الرجل الأول بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لكي تسير على نحوه، فهل نتوقع لقاءً بين البشير والسيسي على هامش القمة العربية بعمان نهاية الشهر الجاري، يهدئ من هذه الأجواء؟ أم أن الموضوع أصبح أكبر، وأن الدولتين باتت لديهما خطط مختلفة بعيدة عن التطبيع بينهما في ظل التحولات
الإقليمية الجديدة بالمنطقة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق