الأربعاء، 29 مارس 2017

المحكمة الجنائية الدولية والرئيس السوداني.. من يلاحق من؟

لم تلق الدعوات والنداءات لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير أذانا صاغية، منذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية عام 2009 مذكرة اعتقال بحقه، رغم زياراته لعدة دول منضمة الى هذه المحكمة.
فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الإنسان، كانت اخر من أطلق هذه الدعوات التي ما برحت تذهب ادراج الرياح، إذ دعت في بيان يوم الأحد، السلطات الأردنية إلى "منع دخول" الرئيس السوداني عمر البشير إلى أراضيها لحضور القمة العربية، أو "توقيفه".
وحسب سجل المعلومات المنشور على الموقع الإلكتروني للمحكمة الجنائية الدولية، هناك عشر تهم موجهة للرئيس السوداني، خمسة منها تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (القتل، الإبادة، الترحيل القسري، التعذيب والاغتصاب)، وجريمتا حرب، وثلاث جرائم تتعلق بالإبادة الجماعية. لذلك أصدرت مذكرتي توقيف ضده، الأولى في 2009، وأتبعتها بثانية في 2010.
لكن البشير الذي صال وجال بزيارات إلى دول منضمة لمعاهدة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، مثل "تشاد وكينيا وجيبوتي وملاوي ونيجيريا"، لا يبدو أنه يأبه كثيرا لمذكرتي اعتقاله أو للدعوات التي تنطلق تباعا لتوقيفه.
ويُلزم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية أي دولة عضو فيها باعتقال البشير إذا ما قام بزيارتها، وهو ما ينطبق على تشاد وكينيا وجيبوتي وملاوي ونيجيريا، ودولة جنوب إفريقيا، وهي الدول الموقعة على "وثيقة روما" التي أسست المحكمة الجنائية الدولية وزارها البشير بعد صدور مذكرة اعتقاله.
كما أن عمر البشير نزل العام الماضي في مطار مراكش (المغرب) وسار على البساط الأحمر كما يقتضي البروتوكول الرسمي، وتم استقباله بحفاوة، مثله مثل باقي الرؤساء، من قبل المسؤولين المغاربة، رغم أنه الرئيس الوحيد في العالم الذي يواجه أمر اعتقال دولي وهو في السلطة يمارس صلاحياته ويمنح العفو لسجناء ومعتقلين، بينما هو نفسه ملاحق.
كما أن القضاء ليس منزّها عن السياسة، فإن للأخيرة أيضا أحكامها على القضاء وفعاليته ومدى طول أنيابه وباعه، فمواقف الدول الكبرى الفاعلة من اعتقال البشير كانت وما زالت متحفظة، رغم تأكيد قضاة محكمة الجنايات الدولية، أن منطوق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1593 يحث جميع الدول، سواء كانت أطرافا في نظام روما الأساسي أم لا، وكذلك المنظمات الدولية والإقليمية، صراحة على أن "تتعاون تعاونا كاملا" مع المحكمة.
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي من التغلب على الخلافات بين أعضائه بصدد تعليق مفعول مذكرة اعتقال الرئيس السوداني، وفشل في أعقاب مشاورات مغلقة في اتخاذ موقف موحد من القرار الصادر عن محكمة الجنايات الدولية.
كما أن البيت الأبيض اكتفى بالإعلان عن أن أيّا كان المسؤولون عن "الفظائع" في دارفور يجب أن يحاسبوا، دون أن يذكر البشير بالإسم. وعلى ذات المنوال سارت بريطانيا التي دعت السلطات السودانية إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف البشير. وقالت "إننا ندعم العملية المستقلة التي أدت إلى هذا القرار الذي نحترمه بشكل كامل، إننا كنا دائما ندعو الحكومة السودانية إلى التعاون مع المحكمة، نأسف بشدة لأن الحكومة لم تأخذ على محمل الجد تلك الاتهامات ولم تفتح مناقشات مع المحكمة، ونجدد اليوم دعوتنا لذلك التعاون".
أما وزارة الخارجية الروسية فعبّرت عن قلق روسيا من احتمال توتر الوضع في السودان نتيجة صدور قرار عن المحكمة الجنائية الدولية بشأن اعتقال الرئيس السوداني. فيما أعربت الجامعة العربية عن "انزعاجها الشديد" وأكدت تضامنها مع السودان في أهليته في إحقاق العدالة.
وأول زيارة يقوم بها البشير بعد صدور مذكرة التوقيف الأولى بحقه في 2009 إلى بلد يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، كانت إلى عاصمة تشاد "نجامينا"، لحضور اجتماعات مجموعة دول الساحل والصحراء، وأعلنت السلطات التشادية، في ذلك الوقت، التزامها بقرار الاتحاد الإفريقي عدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في شأن مذكرة التوقيف الصادرة بحق الزعيم السوداني لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
ومنذ 8 سنوات أعلنت باتريشيا لي فربير هليين مستشارة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لويس اوكامبو، إن القبض على الرئيس السوداني هو مسألة وقت لا أكثر. وذكرت أن المحكمة تعمل في السودان وأن لها وجودا داخل الجهاز الحاكم، مشيرة إلى أن بعض الأشخاص  هناك يريدون التعاون مع المحكمة لتسليم البشير، على حد تعبيرها، لكن هذا الأمر لم ينفذ أبدا ولا يبدو أنه قابل للتنفيذ في الوقت الراهن على الأقل.
ومنذ إصدار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي  مذكرتها  بتوقيف الرئيس السوداني تباينت ردود الأفعال العربية والافريقية وكذلك الدولية ما بين ضرورة تنفيذ قرار التوقيف، ورفض مذكرة الاعتقال والتحذير من عواقبها على عملية السلام المأمولة في السودان، وخاصة في إقليم دارفور. غير أن تحركات البشير وسفره لعدة دول عربية وأفريقية، متحديا قرار المحكمة، أثار وما زال يثير حفيظة المدعى العام والمسؤولين بالمحكمة الدولية، دون أن يتمكنوا من فعل شيء غير التعبير عن سخطهم وغضبهم  ليس على البشير "الفار" من وجه عدالتهم، بل على المجتمع الدولي وعواصم القرار التي لا تعير مذكرة اعتقال رئيس إفريقي في السلطة أي اهتمام، ولا تبذل أي جهود لاعتقاله وتوقيفه.
والرئيس السوداني لا يتوانى هو نفسه عن مغازلة الغرب كلما سنحت له الفرصة، فهو اعتبر قبل أسابيع أن الولايات المتحدة رفعت العقوبات عن بلاده بعد أن اقتنعت بعدم جدواها. وأشار إلى أن الولايات المتحدة جربت مع السودان كل الوسائل، من دون نتيجة، ووصف الأمريكيين بأنهم "عمليين"، مستشهدا في هذا السياق بمثل يقول "اليد التي لا تستطيع ليّها .. صافحها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق