الثلاثاء، 26 يوليو 2016

من يُحقِق مع المُحَققِين؟

مضى على خبر الصحيفة البريطانية التى كشفت عن مظاهر فساد في محكمة الجنايات الدولية أكثر من أسبوعين ولم تتصدى المحكمة ولا أحد قضاتها -رغم خطورة وحساسية الأمر- لنفيّ أو تفسير ما حدث! المدعية العامة للمحكمة (فاتو بنسودا)
حاصرها الصحفيين أكثر من مرة بغرض سماع إفادتها فى القضية ولكنها و (بهدوء ناعم) آثرت الانسحاب والصمت!
 وبالطبع لسنا في حاجة لإعادة تحليل الموقف برمته مقارنة بطبيعة تركيبة قضاة وموظفي المحكمة، فقد تناولنا ذلك ومنذ استهلال المحكمة لعملها (العام 2003م)؛ كما لا حاجة لنا لنفيّ أو إثبات الأمر هكذا بدوافع مزاجية، ولكن حتماً فإن الصمت -ليوم واحد أو يومين فقط- إزاء وقائع تطعن فى نزاهة وحيدية مؤسسة قضائية في أي بلد، دعك من مؤسسة قضائية دولية منوط بها ملاحقة ومحاكمة مسئولين كبار وإنزال عقوبات مؤثرة عليهم أمر في حد ذاته بمثابة جريمة بأي قانون عقوبات، في أي دولة يعاقب كل من يتستر على جريمة من الجرائم.
 كما أن الذي يوجه إتهاماً الى أي جهة يتعين عليه إيراد الدليل ويستلزم ذلك مقاضاته بتهمة إشانة السمعة والإضرار بتلك الجهة وبالتأكيد تتم هذه المقاضاة بسرعة فائقة وعلى نحو فوري إذا كان الاتهام يطال مؤسسة قضائية دولية.
 المحكمة الجنائية الدولية لا هي أقرّت بالفساد، ولا هي قامت بمقاضاة الجهة التى فجرت القضية! وهذا الموقف بلا أدنى شك يجعلها -في الحالتين- غير جديرة بأن تكون مؤسسة قضائية دولية. وبإمكاننا طالما ان الامر كذلك ان نتساءل عن السيناريو المتوقع في هذا الصدد.
 الوقع ان ما هو متوقع ان تراهن المحكمة على تجاوز الامر عبر صمود قضاتها وإلتزامهم الصمت والمضيّ قدماً في عملهم دون الالتفات الى القضية. هناك شواهد دالة على ذلك ابرزها تحاشي المدعي العام لتناول الامر إعلامياً، ربما اعتقاداً منها ومن بعض قضاة المحكمة ان الوقت كفيل بالقضاء على الشبهة وتناقص أهميتها وسخونتها! ولكن بالمقابل هناك ما يشير الى ان المحكمة حتى ولو أرادت التحقيق في الامر ومعالجة الخلل فهي لن تستطيع وإن استطاعت فسوف تحرص غاية الحرص على الوصول الى نتائج ايجابية ترسخ لبراءة قضاتها، ونستند في ذلك على عدة أمور:
أولاً، الجهة التى يفترض أنها تحاسب المحكمة هي الجمعية العمومية ممثلة فى مجموعة الدول المصادقة على ميثاق انشاءها، وطالما أنها (مجموعة دول) وتدرك خطورة الأمر واحتمال انهيار المؤسسة القضائية، فإنها سوف تحرص على ان تكون (السياسة والمصالح) حاضرة في منضدة المناقشة وسوف تجري (موازنات) ومحاولة (تنفيس) للحادثة وإبطالها، وهذه أمور تبرع فيها غالب اجهزة المخابرات، لأن من شأن إدانة القضاة المتورطين أو حتى الاستغناء عنهم ان يصيب ضمير المحكمة وسمعتها في مقتل، ولن تقوم لها قائمة بعد ذلك.
ثانياً، هناك ما يشبه الاستحالة فى ان يتصدى (قضاة آخرون) في ذات المحكمة للأمر تحقيقاً وتقصياً، إما لتورطهم هم أنفسهم بدليل سكوتهم طوال هذه المدة مع تطاير الرزاز عليهم، وإما لأنهم يخشون ان يتعرضوا لمشاكل هم في غنىً عنها وهم أيضاً -في الحالتين- ليسوا جديرين بأن يكونوا قضاة دعك من أن يكونوا قضاة دوليين يمثل أمامهم الرؤساء وكبار المسئولين.
ثالثاً، على فرض ان الصمت القائم حالياً ينطلق من أن موقف قضاة المحكمة سليم وأن المال المحول الى حساباتهم (لأغراض مواجهة المصروفات القضائية) فإن الامر يتطلب المسارعة منذ نشر الخبر لإثبات ذلك، فالشيء (المشروع) لا يحتاج لوقت طويل لإيضاحه للناس خاصة ان الثقافة الغربية والأوروبية ما فتئت تلاحق الناس بما يسمى بالشفافية ومكافحة الفساد وأنشأت لهذا الغرض مؤسسات دولية ومنظمات تصدر قوائم دورية وتصنيف دول العالم بمعيارها! لماذا تخلّى دعاة الشافية وسدنتها في الولايات المتحدة وأوروبا عن شفافيتهم فيما تعلق الأمر بمحكمة الجنايات الدولية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق