الأحد، 24 يوليو 2016

قمة كيجالي وتعميق جراح الجنايات الدولية!

بالإجماع رفض القادة الافارقة في قمتهم المنعقدة بالعاصمة الرواندية كيجالي الاسبوع الماضي استهداف محكمة الجنايات الدولية في لاهاي للقادة الافارقة. الرئيس البشير كان في مقدمة المشاركين فى القمة الافريقية التى جاءت اكثر سخونة فيما
يتعلق بالموقف من لاهاي وعملت على دعم وتأييد موقفها في القمتين السابقتين في أديس ابابا و جوهانسبرج الهادفة لذات الرفض.
القمة بحسب وزير الخارجية السوداني كلفت لجنة بمهمة السفر الى نيويورك وإبلاغ مجلس الامن -رسمياً- بموقف الاتحاد الافريقي من المحكمة. القمة قررت أنه في حالة عدم استجابة مجلس الامن لقرارات الاتحاد الافريقي فإن الاخير سوف يشرع فى إجراءات خروج جماعي من ميثاق المحكمة.
ولا شك ان موقف الاتحاد الافريقي ومع كونه داعماً لموقف وقرارات سابقة بهذا الصدد، إلا أنه هذه المرة يأتي في ظل تداعيات سيئة بعد ما رشح من ضلوع قادة المحكمة في جرائم رشوة وتحويل أرصدة وأموال فى حساباتهم الشخصية بما يرفع من وتيرة الرفض الافريقي الأشد للمحكمة.
ومن المؤكد ان السودان ومنذ بداية صدامه مع لاهاي استطاع ان يكشف للقادة الافارقة ان المحكمة الجنائية سياسية بامتياز وأنها تستهدف القادة الافارقة على وجه الخصوص ولهذا فإن قمة كيجالي تكتسب أهميتها وآثارها البعيدة للمدى وفق عدة مؤشرات خطيرة ومؤثرة للغاية:
 أولاً، الاتحاد الافريقي جسم اقليمي مؤثر يصعب للغاية على القوى الدولية الاستهانة به، فهو يقوم بمهام اقليمية مثل مهام حفظ السلام، و حلحلة قضايا الاقليم والمحافظة على الامن والسلم الدوليين. ومن ثم فهو مكمل لدور مجلس الامن فى هذه الناحية ولا يستطع مجلس الامن الدولي بحال من الاحوال التقليل من شأنه. هنالك خطأ شائع لدى الكثير من المراقبين، ان دول القارة الافريقية ليست سوى لقمة سائغة فى فم القوى الدولية.
هذه الحقيقة كانت في السابق حين كانت الدول الافريقية على قدر كبير من الضعف وحين كانت مصالح الدول الكبرى فى متناول يديها ولا تستطيع دول القارة الوقوف فى وجهها. الدليل على أن دول الاتحاد الافريقي باتت مؤثرة وتمتلك إرادة سياسية لا يمكن تجاوزها أنها ظلت تتحدى القوى الدولية الكبرى بشأن العديد من القضايا الهامة وعلى وجه الخصوص توقيف الرئيس البشير.
الرئيس البشير ظل مشاركاً بقوة فى كل المحافل الافريقية ضد رغبة القوى الدولية وضد إرادتها، حدث ذلك فى كينيا، وحدث فى جنوب إفريقيا، وحدث في يوغندا في حفل تنصيب الرئيس موسيفيني، و حدث في اديس ابابا ثم حدث الآن فى رواندا. لم تعد الدول الافريقية تهاب القوى الكبرى والقوى الكبرى هي تعرف ذلك جيداً الآن ولهذا فإن ما تقرره القمة الافريقية يتم أخذه مأخذ الجد!
ثانياً، عدم تعاون دول الاتحاد الافريقي  -دون استثناء- مع محكمة الجنايات الدولية في فى حقيقة الامر واقع ملموس الآن ومطبق على الارض. لم تجرؤ أي دولة افريقية على مخالفة قرار الاتحاد الافريقي ولو بتصريحات إعلامية، وهذا يعني ان دول الاتحاد الافريقي شرعوا فى إنزال قرارهم على أرض الواقع ولم يتبق سوى اتخذا قرار جماعي مماثل بالانسحاب من المحكمة.
ثالثاً، مجرد ابلاغ لجنة من الاتحاد الافريقي لمجلس الامن بوجهة نظر قادة الاتحاد الافريقي -بغض النظر بعد ذلك عن النتيجة- يعني ان الاتحاد الافريقي يمتحن إرادة القوى الدولية الكبرى ويضطرها للرضوخ، فالقضية ليست قضية قوة وضعف بقدر ما هي قضية إسماع صوت منطقي موضوعي له تأثيره على مجمل الرأي العام الدولي إن لم يكن اليوم ففي الغد القريب دون شك.
وأخيراً فإن قمة كيغالي المنعقدة فى هذا الظروف، إشتعال الحرب فى دولة الجنوب، تداعيات قصص المال والرشاوي في لاهاي، وضعت لبنة قوية على طريق التغيير المنهج الدولي الظلام فى التعاطي مع المؤسسات الدولية، فالعالم الذي يعتقد انه خرج من ظلام التاريخ والعصور المظلمة القديمة مطالب الآن باستعدال كفة العدالة الدولية فى كل شيء وإلا استخدم من ينظر اليه بكونه ضعيفاً ذات وسائل ضعفه لإجبار الاقوياء على الرضوخ لمطالبه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق