الثلاثاء، 19 يوليو 2016

الأذكياء.. الأغبياء!

 لم يكن الفيلسوف الفرنسي الساخر (برتراند راسل) بعيداً عن الحقيقة حين أطلق قولته الفلسفية الشهيرة (الأغبياء على يقين)! الرجل كان يحاكم العديد من حقائق الواقع في الحياة، وللمفارقات فكأنما كان الرجل يشير بطرف أصبعيه إلى القوى
التي تعبث بأمن و استقرار العالم وكأنها قطعة ارض صغيرة، تملكها و تلعب لها بأطراف أصابعها!
ولا شك أن مقولة (راسل) هذه تناسب العديد من المؤامرات الدولية التى تتم حياكتها بقدر من المكر والدهاء ولكن حالما يتم الفراغ من وضع آخر لمساتها تبدأ ثغرات الأخطاء بالظهور و تتكاثر ويتسع نطاقها، بحيث يتسع الرتق على الراتق كما يقولون. إنشاء دولة جنوب السودان واحداً من النماذج الصارخة التى تمت بما يشبه المؤامرات الدولية وسوء النية لتفضي بكاملها ولم يمر على التجربة نصف عقد من الزمان عن كارثة أمنية وإنسانية بالغة التعقيد.
الصراع الدامي و الأحداث الجارية الآن في دولة الجنوب لم تكن سوى نتاج لتفكير (أحادي الجانب) من قبل ذات هذه القوى الدولية التى اعتقدت أن الصراع الجنوبي مع السودان، صراع هوية و ثقافة و ديانة، ومن ثم فإن أفضل طريقة لمعالجته إنما تكون بإنشاء دولة جنوبية مستقلة!
إسرائيل ربما كانت تنظر إلى الأمر من زاوية مصالحها الخاصة لها وحدها، فهي ترى السودان كواحد من الدول الناهضة تحيط بها عبارة (دويلات) صغيرة ضعيفة ومنهكة بالحروب والصراعات, ويعزز هذه الفرضية محاضرة (آفي ديختر) وزير الأمن الإسرائيلي الأشهر في سنوات سابقة التى كشف فيها عن خطة تقسيم السودان إلى دويلات. أما الولايات المتحدة  الضامنة لأمن إسرائيل فهي كانت وما تزال  تنفذ الأفكار الإسرائيلية بالحرف ولكن أحداً من الطرفين لم يكن قد فكر بعمق في المكونات الاثنية الجنوبية و إمكانية تعايشها و احتمالها لبعضها! الصراع الجنوبي الجنوبي بدا أمراً مفاجئاً ومدهشاً للولايات المتحدة وإسرائيل وبقية الدول الأوروبية، فالفرقاء الجنوبيين لم يعطوا الفرصة لهذه القوى الدولية لكي ترسم خططها! إذ أن أي إقليم سوداني آخر شاهد أهله ما جرى في دولة جنوب السودان لن يخاطر مطلقاً بخوض ذات التجربة ولدينا اسطع دليل على ذلك، أن الأصوات الجنوبية نفسها بدأت ترتفع الآن و تتصاعد وهي تطالب بوحدة الدولتين!
مواطني دولة الجنوب الذي يلم يهنئوا بدولتهم و لم تذوقوا أمناً ولا استقراراً ولا خبزاً ولا مياه صالحة للشرب ولا صحة، ولا تعليم، رفعوا أصواتهم منادين بوحدة السودان بعد فوات الأوان! أدركوا للتو، أن التنوع أمر حيوي واستراتيجي لنهوض الأمم و استقرارها. ولكن الغريب أن الولايات المتحدة و إسرائيل ورغم كل ما بدا لهم واضحاً الآن جراء عدم الجدوى السياسية والأمنية من وراء إنشاء دولة الجنوب ما يزالوا يقدمون لدعم للحركة الشعبية قطاع الشمال و الحركات الدارفورية المسلحة!
واشنطن التى ما تزال تعتمد في كل أمورها الخاصة بالجنوب على السودان من إجلاء الرعايا و محاولة رأب الصدع بين الفرقاء في جوبا والمساعدات الانسانية ما تزال تدعم قطاع الشمال و الحركات السودانية المسلحة لتكرار ذات التجربة ! لا أحد يدري من أين كانت تتسقي هذه القوى الدولية يقينها وذكاءها بأن تجربة قيام دويلات سودانية تجربة ذات عائد أمني و سياسي لها وللمنطقة؟
 ربما يقول قائل غن الأمر يتعلق هنا بنظرية الفوضى الخلاقة ولكن ما يدحض هذه الحجة أن المجتمع الدولي يعيش قلقاً بالغاً حيال الصراع، خاصة بعدما اكتشف أن الصراع حتى لو انتهى بين الرئيس كير ونائبه مشار فهو لن ينتهي بين بقية المكونات الاثنية في دولة الجنوب على المدى القريب. بذرة التناقض بين هذه المكونات موجودة ومن الصعب أن يتخلى المجتمع الدولي عن النيران المشتعلة في المنطقة والتى قد تمتد إلى دول الجوار و تلتهم في طريقها بقية مصالح هذه القوى الدولية .
ترى ما مدى تناسب مقولة (راسل) مع ما خططت له إدارة بوش الابن وواصلت فيه إدارة أوباما وأوصل الجميع هذه النقطة الحرجة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق