الأحد، 24 يوليو 2016

الجنائية وافريقيا.. انسحاب جماعي قادم

يدور صراع بين الدول الأفريقية (ممثلةً في الاتحاد الأفريقي)، والمحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من "لاهاي" في هولندا مقراً لها، منذ سنوات، على خلفية اتهامات توجهها المحكمة لعدد من الرؤساء والقادة، ولمسئولين كبار في القارة، بلغت حد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية.
وفي أكدت قمة الاتحاد الأفريقي الـ”27″ والتي اختتمت أعمالها مؤخرا بالعاصمة الرواندية، كيغالي، التزامها بالإجماع الأفريقي الرافض لاستهداف المحكمة الجنائية الدولية للقادة الأفارقة، وأعلنت تمسكها بما خرج به الرؤساء الأفارقة خلال قمتي أديس أبابا وجوهانسبيرج الماضيتين.وأعلنت القمة رفضها القاطع لاتهامات المحكمة ضد الرئيس البشير، ونائب الرئيس الكيني، مُشيراً لإجراءات سيتم اتخاذها للتعامل مع القضية.وكلفت القمة لجنة وزارية للاتصال بمجلس الأمن الدولي، لتوضيح مواقف الدول الأفريقية في هذا الصدد وتقديم تقرير لقمة أديس أبابا القادمة في يناير المقبل في هذا الشأن .وأشارت القمة إلى أنه إذا لم يستجب مجلس الأمن لإرادة الدول الأفريقية حول القضية، فإن على اللجنة الوزارية وضع خطة للخروج الجماعي للدول الأفريقية من المحكمة الجنائية الدولية. الصراع بين الدول الأفريقية و"الجنائية الدولية" وصل إلى حد مطالبة البعض في الاتحاد الأفريقي بمقاطعة المحكمة، وعدم الامتثال لمطالبها بملاحقة عدد من هؤلاء المسئولين، بغية تقديمهم للمحاكمة أمام قُضاتها، بتُهم مختلفة لجرائم ترى المحكمة أنها وقعت في بلدانهم، وتستدعي مساءلتهم عنها وتقديمهم لمحاكمة عادلة أمامها باعتبارها جرائم يُعاقب عليها القانون الدولي بحسب "ميثاق روما".
ويرى الأفارقة أن تركيز المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الحرب والمتهمين بارتكابها في أفريقيا، يقابله غضُ بصرها تجاه بعض الأطراف في دول أخرى،مثل: أفغانستان، وكولومبيا، لسنوات دون اتخاذ إجراءات فعلية تُذكر تجاهها. فعند تسليمه رئاسة الاتحاد الأفريقي لخلفه الرئيس التشادي إدريس ديبي في 2015، قال رئيس زيمبابوى "روبرت موغابى":إن "اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لم أره مطبقا ضد أي شخص جلده أبيض"، على حد قوله، وتساءل "هل الذين لديهم جلود بيضاء معفون من الوصول للمحكمة"، مشيرا إلى أن "جورج بوش وتونى بلير ارتكبا أعمالا فظيعة في العراق، واعترفا بأنهما ارتكبا أخطاء، كما قتلوا صدام حسين ورغم ذلك لم تتم إحالتهما للعدالة". وفي 31 يناير 2016، وبعد توليه رئاسة الاتحاد الأفريقي، أوضح الرئيس التشادي، إدريس ديبي، في ختام القمة الأفريقية الـ(26) المنعقد بالعاصمة الإثيوبية "أديس أبابا"، أن "القادة الأفارقة أيدوا مبادرة تهدف إلى انسحاب جماعي من المحكمة"، متهما الجنائية الدولية بأنها "تستهدف قارتهم بشراسة"، حسب تعبيره.وقال ديبي في هذا الصدد "لاحظنا أن المحكمة الجنائية الدولية تستهدف بشراسة أفريقيا، والقادة الأفارقة، من بينهم رؤساء حاليون، فيما يشهد سائر أنحاء العالم الكثير من الأحداث، والانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، لكن لم يعبر أحد عن القلق إزاءها".واتهم رئيس الاتحاد الأفريقي، حينها، المحكمة صراحةً بـ"الكيل بمكيالين"، وأضاف "قررنا تنسيق موقفنا كي تدرك المحكمة الجنائية الدولية أهمية الموقف الأفريقي من هذه المسألة".
إلا أن توقيع 34 دولة أفريقية وتصديقها على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُبقي الأمر "معقداً"، في حال قررت المجموعة الأفريقية الانسحاب جماعياً من المحكمة، حيثُ لم يتخذ القادة الأفارقة قراراً ملزماً قانوناً بالانسحاب من المحكمة بشكل جماعي، تاركاً لكل دولة الحرية في اتخاذ قراره بهذا الشأن.
كل هذا الشد والجذب، بين الاتحاد الأفريقي من جهة، والمحكمة الجنائية الدولية من جهة ثانية، أدى لتباين موقف الطرفين وتباعدهما من قضية توجيه تهم لقيادات أفريقية وملاحقتهم جنائياً، ما أدى إلى تهديد الاتحاد الأفريقي بالانسحاب الجماعي من المحكمة، ما يضع مصداقية وجدية الدول الأفريقية وقادتها على المحك. ويمثل مدى استعداد القادة الأفارقة لتطبيق القوانين الدولية بشأن حقوق الإنسان، اختبارا حقيقيا للقارة الأفريقية، التي شهد تاريخها تجاوزات وانتهاكات كثيرة عبر العقود، التي تلت خروج الاستعمار منها، في دول تخضع بعضها لحكومات مستبدة، حسب مقاييس سجلات الحريات والتنمية المستدامة. فهل ينجح الاتحاد الأفريقي في "كبح جماح" بعض قادته الجامحين؟ وهل تنفذ الدول الأفريقية "وعيدها" بالانسحاب معاً من المحكمة؟! وهل يمكن أن تطال محاكمات الجنائية الدولية قادة وزعماء في دول كبرى، غير رؤساء أفريقيا؟ فمصداقية كل من دول الاتحاد الأفريقي والمحكمة الجنائية على المحك، على حد سواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق