الخميس، 28 يوليو 2016

قوى نداء السودان .. القبول (على النفقة السياسية الخاصة)!

بالطبع ليس معروفاً ل وجه التحديد طبيعة الأسباب التى حدت بقوى المعارضة السودانية (قوى نداء السودان) بالعودة لقبول خارطة الطريق التى كان قد طرحها الوسيط الإفريقي (ثامبو أمبيكي) في أديس أبابا قبل أشهر ورفضتها ذات هذه القوى بشدة حينها وطلبت إلحاق (ملحق) إضافي عليها حتى تقبلها. ربما تكفل الزمن في وقت لاحق بالكشف عن طبيعة هذه الأسباب و سبر غورها. ولكن هذا وحده لا يمنع من البحث هنا أو هناك عن حقيقة هذه الأسباب.
وقبل أن نفعل ذلك فالأهمية هنا ليست في حقيقة هذه الأسباب وما إذا كانت موضوعية أم غير موضوعية، الأهمية هنا ترجع إلى ذهنية قوى المعارضة السودانية، مدى حرية قادتها وسلامة إرادتهم الوطنية، حسن أو سوء تقديرهم للأمور، والاستفادة من التوقيت باعتبار أن عنصر التوقيت في العمل السياسي عنصر جوهري ومهم للغاية، لأنك حين تفوت فرصة في توقيت معين مواتي لن يكون بوسعك -حتى ولو استعدت ذات الفرصة- أن تستعيد التوقيت بكل ما في التوقيت من مزايا وملائمة.
ولكي لا يكون قولنا هنا على عواهنه، فإن قوى المعارضة (قوى نداء السودان) لو كانت قد قبلت بالخارطة ساعة طرحها، فقد كان التوقيت حينها أكثر فائدة لها ولشعب السودان من عدة وجوه:
ففي واحد من الوجوه فلربما كانت الحركات الدارفورية المسلحة (خاصة حركة عبد الواحد) تحاشت الهزيمة الماحقة التى لحق به لها في جبل مرة! وفي وجه آخر كان من الممكن أيضاً أن تستفيد الحركة الشعبية قطاع الشمال من الخارطة في تجنيب قواتها بوادر هزيمة محققة في جنوب النيل الأزرق. الاتفاق حول الخارطة في حينها كان أيضاً سوف يساعد بقدر كبير في التقليل من حدة الأزمة المتفاقمة في دولة جنوب السودان، إذ أن تسوية أو بداية تسوية الأزمة السودانية يؤثر بقدر كير في قدرة السودان كطرف إقليمي مهم في المنطقة في معاونة الفرقاء في جوبا على طيّ صفحة أزمتهم.
هذا بالإضافة إلى أن القبول بالخارطة في حينها مع بداية بناء الثقة ووقف الحرب كان بالتأكيد سيقلل من نزيف الاقتصاد السوداني جراء الصرف على الحرب بما ينعكس ايجابياً على مجمل الأداء الاقتصادي للسودان .
وهكذا على اية حال أضاعت مواقف قوى نداء السودان -كما في مرات مماثلة وعديدة سابقة- فرصاً مواتية لتسوية الأزمة السودانية. أما إذا جاز لنا البحث عن جانب من أسباب تراجع قوى المعارضة عن رفضها لخارطة الطريق فإن الجانب الأبرز بطبيعة الحال والذي لا يختلف عليه إثنان وهو أن الضغوط الإقليمية والدولية هي التى أسهمت بالقدر الوافر من ذلك. إدارة الرئيس الأمريكي أوباما المنصرفة ما تزال في أجندتها تسوية النزاع السوداني كمقدمة ضرورية للاستفادة من السودان نفسه في إجراء تسوية سريعة وناجزة للنزاع الجنوبي الجنوبي.
كما أن القوى الدولية الكبرى تتخوف من إتساع رقعة النيران في جوبا بما يجعل المنطقة بأسرها بؤرة مشتعلة تحرق مصالح هذه القوى وتصيبها في مقتل أضف إلى ذلك فإن القوى الدولية الكبرى ترسخت لديها قناعات موضوعية أن النظام الحاكم في السودان غير قال للإضعاف أو السيطرة أو الإسقاط جراء جذوره الشعبية القوية ومن ثم لا سبيل إلا بإجراء تسوية معه و خلق معادلة سياسية بالمعطيات المتاحة.
قوى المعارضة نفسها ورغم مكابرتها أدركت وعلى نحو واقعي أنها عاجزة عن إسقاط النظام سلمياً أو عسكرياً. وهذه حقائق غالباً ما تتبلور جراء تراكم من التجارب و الحسابات. و يبقى بعد كل ذلك أن تضع القوى المعارضة في اعتبارها أن المحصلة النهائية للحوار وخارطة الطريق استعادة الاستقرار وتثبيت دعائم الأمن أولاً، قبل التفكير في محاصصات سياسية أو معادلة السلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق