الخميس، 21 يوليو 2016

فضيحة رشاوي لاهاي.. كيف بدأت القصة المدوِّية ومن هم أبطالها؟ (2)

في الحلقة الأولى من هذه السلسلة الوثائقية وقصة القرن عن محكمة الجنايات الدولية عرفنا كيف تم انتقاء الشهود وكشفنا عن جانب من أولئك الشهود وصفاتهم وقضاياهم الشخصية التى دفعت بهم للشهادة وعرفنا أيضاً لماذا فتحت حسابات
سرية خاصة لمدعي عام المحكمة وقضاتها وتمت تغذية تلك الحسابات بطريقة عادية وهادئة مخافة لفت الأنظار.
في هذه الحلقة نحاول استقراء القصة من على لسان الشهود أنفسهم فالمدعو (جابر محمد حسب الله) يقول في إفادة مطولة إنه ذهب إلى لاهاي وبصحبته شاهد آخر يدعى عبد الرحمن فضل. ويقول جابر انه طُلب منه الشهادة ضد الرئيس البشير ثم طلب منه الاستقرار في لاهاي! ولكنه رفض كما قال لأن الإقامة تقيده!
 لا شك أن الطلب من شخص الشهادة ضد رئيس الدولة أمر مثير للإرتياب ثم الطلب منه الإقامة الدائمة في لاهاي أمر أكثر إرابة إذ أن من المؤكد هذه الإقامة تتطلب أموالاً طائلة . العقيد طيار محي الدين أبكر وافق على الشهادة والإقامة وهو الآن بحسب أسرته يقيم فعلاً في لاهاي!
 في 28 ديسمبر 2008 غادر 9 أشخاص من معسكر كلمة إلى باريس للإدلاء بشهادتهم من بينهم العمدة محمد شرف أحمد من منطقة شطاية من أبناء الفور، وعبد المؤمن محمد عبد الجبار من وادي صالح ومن قبيلة الفور أيضاً. المريب في أمر هؤلاء الشهود أنهم كانوا قبل ذلك يتعاونون مع منظمة (IRC) الأمريكية! ولنا أن نتصور كيف تم إعدادهم للشهادة وبماذا تم إغراؤهم وكم من المال دفع لهم؟
دعك من كل هذا فقد خاطب مدعي عام محكمة الجنايات الحكومة التشادية في ديسمبر 2008 بترحيل 7 لاجئين سودانيين قيل إنهم ضحايا أحداث جرت في مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور بغرض استجوابهم وهم عبد الله عثمان، خليل عبد الله زكريا، نورين سلمان آدم، فاطمة التجاني الطاهر، مريم عبد المطلب، رجب ابراهيم، علي موسى حسين، أما النقيب الهادي جمال فقد سافر مرتين إلى لاهاي يحمل وثيقة لاجئ للإدلاء بشهادته.
وهذه الحقائق التى نوردها ونقصها عليك عزيزي القارئ لم نأت بها من مصادر ولا بذلنا جهداً خارقاً من أجلها، هي معلومات متوفرة لدى هؤلاء الشهود أنفسهم فهم عرضت عليهم الشهادة وهم بمعسكرات اللاجئين. طريقة العرض مغرية ومثيرة لشهية شخص ضعيف أو طامح، فالسفر جواً، ومع مصاريف ونثريات جيب خاصة، كما أن الذين يتولون المهمة يؤكدون للشخص المعين أن هناك أشخاص سبقوهم وهم الآن يعيشون حياة مريحة وهادئة في لاهاي وباريس على حساب المحكمة الجنائية!
ومن الطبيعي أن العرض المغري والخبراء الذين أوكلت إليهم المهمة أسهم في اجتذاب الكثيرين، ومن الطبيعي إزاء ذلك أن تمتلئ حسابات قضاة المحكمة بأموال ضخمة للقيام بهذه المهمة، إغراء الشهود المفترضين والسفر إلى عواصم العالم لاستجوابهم هنالك، والصرف عليهم، والأغرب من ذلك إبلاغهم قبل سفرهم بأن عليهم الشهادة ضد الرئيس البشير شخصياً والإفادة بمعلومات تدينه.
كان البعض يقبل العرض بالنظر إلى ظروفه المعيشية، والبعض الآخر يطلب المساعدة في كيفية الإفادة وما هي المعلومات المطلوبة وكان الخبراء دائماً جاهزون بمعلومات معدة مسبقاً لهذا الغرض! ولمن أراد المزيد فإن أعضاء في لجنة قامت بتكوينها حركة العدل والمساواة في العام 2009 قالوا إنهم تم تشكيلهم والطلب منهم التواجد بالعاصمة الجنوبية جوبا للقيام بمهمة تسجيل إفادات الشهود بأشرطة السي دي والفيديو. عضوين من تلك اللجنة أقرّا لاحقاً بالقصة، وهما ثريا عبد النبي الشيخ من منطقة (أرنقا) وسعدية آدم رجال من منطقة (كبكابية)!
كان واضحاً أن محكمة الجنايات تقوم بتأسيسي مشروع قضائي فريد من نوعه يعتمد بصفة أساسية على البحث عن شهود وتلقين الشهود وإثبات إفادتهم في أشرطة مسجلة مقابل منحهم المال والإقامة والحماية. ولم يكن الأمر واضحاً لكثيرين حول العالم، فقد كان العالم مأخوذاً بالتجربة القضائية الوليدة متطلعاً إلى مستقبل خالي من القتل والترويع ولم يكن يعلموا أن الأمر لم يكن سوى بيع وشراء في رابعة النهار...... نواصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق