الأربعاء، 20 يوليو 2016

تحت الضغط

قبل أيام أعلنت الحكومة السودانية وصول تدفقات جديدة للاجئين من دولة الجنوب إثر الاشتباكات التي وقعت بين مؤيدي سلفا كير ومعارضيه بقياده رياك مشار، ليصل عدد اللاجئين بالسودان لما
يربو عن نصف مليون لاجئ منذ الانفصال، فضلا عن الوجود الأجنبي من دول أخرى وضغط العمالة الأجنبية على الخدمات ما يرهق كاهل الخرطوم ويتضافر مع جملة أزماتها الاقتصادية الأخرى. وبالنسبة للمتابعين فإن اندلاع الحرب الأخيرة في الدولة الوليدة حتما سيكون له أثره الاقتصادي السالب على السودان، بالأخص حال وصل دوي المدافع إلى مناطق إنتاج النفط كون إيرادات عبور النفط من الجنوب تشكل جزءا من ميزانية الخرطوم.
حسناً، بحسب قرار مجلس الوزراء سيتم التعامل مع الجنوبيين في السودان كلاجئين إلا أن ذلك أيضا لن يقلل العبء على ميزانية الدولة ما يتطلب وضع دراسة وخطة للتعامل.
ويقول د. محمد الناير، الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين لـ(اليوم التالي): بالطبع عدم استقرار جنوب السودان يؤثر على السودان ومن مصلحة الشمال أن يكون الجنوب مستقراً .. إلا أن الأحداث الأخيرة إذا اتسعت دائرتها ووصلت مواقع إنتاج البترول فسيكون الأثر كبيرا جدا على الاقتصاد في الشمال في المقام الأول لأنه يعتمد على النفط كمورد رئيس من خلال إنتاج 150 ألف برميل يوميا حالياً، على الرغم من إنتاجه لأكثر من 300 ألف برميل من النفط قبل الانفصال، وقد حدث هذا النقص بالنسبة لجنوب السودان بسبب النزاعات وتوقف العديد من آبار البترول بولاية الوحدة، ويردف الناير: على الرغم من تأثر الشمال بالأزمة الحالية في الجنوب إلا أن الأثر لن يكون كبيرا لأن تقرير الأداء للموازنة خلال الربع الأول الذي قدم لمجلس الوزراء والبرلمان أفاد أن الإيرادات غير الضريبية حققت أقل من 40 % من الربط النسبي من الربع الأول. ويعزو الناير التراجعات هذه لعدم التزام حكومة جنوب السودان بسداد رسوم العبور والترتيبات الانتقالية، ويرجح لـ(اليوم التالي) أن الأثر لن يكون كبيراً لعدم سداد حكومة الجنوب المتبقي من الديون لكن الأثر النفسي والمعنوي سيشكل الهاجس الأكبر باعتبار أن السوق السوداني وسوق النقد الأجنبي (الموازي) ظل يتأثر كثيرا منذ انفصال الجنوب بالتطورات التي تحدث فيه، أما في ما يخص تصدير وعدم تصدير النفط وغيرها من التقلبات فهو الخطر الحقيقي ويتطلب وضوح الرؤية والشفافية والإعلان عن المواقف بحقيقتها كما يقول، وعدم ترك الأمر للشائعات ففي مثل ظرف اقتصادي كهذا يمكن أن تطلق شائعات بأن الاقتتال بلغ مواقع إنتاج النفط وهذا يلقي بظلاله على الاقتصاد السوداني. ويسترسل الناير: في ما يخص تدفقات اللاجئين من النواحي الاقتصادية فستشكل تحديا كبيرا حيث يفضل المواطن الجنوبي الاتجاه لشمال السودان في الأزمات ولم يكن هواه نحو الدول الأفريقية الأخرى مثل كينيا ويوغندا مما يشكل فاتورة كبيرة على السودان، ويتساءل محدثي عن كيفية معاملة الدولة السودانية للجنوبيين؛ هل ستكون كالسابق أم ستعاملهم كأجانب؟ بالنسبة للناير فإن السودان ستواجهه مشكلة في الصرف لتأمين حدوده مع الجنوب. ويشن الناير هجوماً على قرار الحكومة السابق المتمثل في معاملة الجنوبيين كسودانيين حيث يرى الخبير الاقتصادي أن الحكومة لم تعمد إلى دراسة المناحي الاقتصادية للقرار فجانبه الصواب، بالإضافة إلى أنه إذا حدث تغلغل من الجنوبيين يصعب إعادتهم إلى بلادهم بعد الاستقرار لا سيما وأنه ليست هناك بنية تحتية ولا أي نوع من الخدمات مثل الكهرباء والمياه ما من شأنه أن يفقد السودان موارد كثيرة مثل البترول ويتحمل فاتورة إضافية، حتى بعد أن فقد جزءا عزيزا من أرضه وموارده. وثمة خيار بالنسبة للناير له علاقة بتعديل قرارات الحكومة السودانية ومعاملة الجنوبيين كأجانب من أجل أن يتم رصدهم وتسجيلهم وحصرهم مرة اخرى إذا ما حدث استقرار، أما الخيار الثالث فأن يعاملوا كلاجئين في معسكرات وهذا الخيار تتفاداه الحكومة كثيراً بسبب تدخل المنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة حيث للكثير منها مآرب كثيرة، على الرغم من أن المجتمع الدولي عليه مسؤولية في معالجة قضية الجنوب إلا أن التجارب السابقة للسودان معه مريرة فلابد من تقوية المنظمات الطوعية السودانية التي يمكن تقوم بهذا العمل.
من جهته يرى محمد الجاك، الأكاديمي والخبير الاقتصادي أن الاثر الاقتصادي الذي يقع على الشمال يمكن النظر اليه من جانبين؛ الأول أن الحرب في الجنوب توقف المحاولات التي كانت جارية حسب الاتفاقيات في تقوية العلاقة بين الشمال والجنوب، فاذا ما تم تنفيذ هذه الاتفاقيات ستمثل شكلاً من الاستقرار وبالتالي ينعكس ذلك على العلاقات الاقتصادية بين البلدين وخاصة في ما يتصل بحركة السلع والخدمات بين الشمال والجنوب. ويضيف الجاك بين يدي حديثه لـ(اليوم التالي): الاقتصاد السوداني يستفيد من البضائع الواردة من الجنوب والعكس، فالجنوب يحتاج إلى كثير من المنتجات السودانية خاصة الغذائية إلا أن اندلاع الحرب الحالية سيقلل من الاستقرار المرتقب ويضعف تنفيذ الاتفاقيات التي عقدت بين البلدين بالإضافة إلى أنها ستنعكس على إنتاج البترول، وبحسب الاحصاءات انخفض الإنتاج اليومي للبترول من 250 ألف برميل إلى ما يعادل 180 ألف برميل، كما يقول، وهذا بالطبع يؤثر في حصول السودان على حصته من نقل البترول عبر أراضيه والبطبع يضمن السودان ميزانيته عائدات نقل البترول وهذا أيضاً مما يؤثر في الإيرادات الخاصة بالموازنة.
أما الجانب الآخر في ما يخص التدفق الكبير للاجئين الجنوبيين بحكم الالتزامات السودانية وحسب الاتفاقات الدولية يفترض أن يوفر السودان لهم سبل العيش فقطعاً هذا جانب يشكل عبئا إضافيا على أعباء السودان في النفقات ويضغط على الخدمات التعليمية والصحية وغيرها مما يضع السودان في موقف الضغط لتوفير نفقات للاجئين الجنوبيين وهذا فضلاً عن مشاكل ومعاناة السودان القائمة مما يعمق مشاكله الاقتصادية، ويردف الجاك: إلا أنني أعتقد أنه لو حاول المجتمع الدولي أن يساعد السودان في هذا الجانب فسيقلل هذا من الآثار الاقتصادية السلبية عليه وهنالك محاولات وجهود عالمية من أجل تدخل يساعد الجنوب في اجتياز المرحلة الحرجة التي يمر بها الآن، وبالتالي وبحكم أن السودان استقبل هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين يحتاج أن توفر مصادر للإنفاق عليهم عن طريق المنظمات والمؤسسات الدولية المهتمة بشأن اللاجئين عامة خاصة الجنوبيين، ولا يمكن إغفال أن الإيرادات التي يحصل عليها السودان من الجنوب ستنخفض حتماً نتيجة لانخفاض الكميات المنتجة من البترول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق