الاثنين، 25 يوليو 2016

رشاوي لاهاي

من الضروري ان يقفز السؤال التالي الى أذهان كل من تابع هذه الحلقات والطريقة التى تعاملت بها محكمة الجنايات الدولية والتى كان المال والترغيب هو العنصر الاساسي في العملية برمتها. كيف توصلنا الى هذه الحقائق وأسماء الشهود
وإفاداتهم؟ الاجابة على هذا السؤال فى الواقع هي محور القضية كلها، فقد تم ذلك بسهولة بالغة وبتأكيدات متطابقة من مصادر عديدة، بعض هذه المصادر هي المصادر (المفتوحة) ونعني بهذا وسائل الاعلام نفسها، ولكن تتجلى ببساطة الالمام بهذه الحقائق فى بساطة المجتمع السوداني نفسه -(وهو ما غاب تماماً على قضاة الجنائية)- فالمجتمع السوداني مجتمع نفتح على نفسه. الاسرار قلما تم مواراتها بعناية!
 ولمزيد من الإيضاح فإن بعض هؤلاء الشهود -(وهم الآن أحياء يرزقون)- تعرضوا لوخز ضمير مؤلم لأنهم كانوا فى الوقت الذي عرضت عليهم إغراءات أداء الشهادة إما في حاجة ماسة الى المال ووضع أفضل؛ أو كانوا مأخذين بحالة غضب جراء عدم إدراكهم  بحقائق الأمور.
ويمكن القول أن غالب شهود الجنائية البالغ عددهم 75 شاهداً كما ذكرنا شعروا بأنهم أخطأوا فى حق بلادهم بطريقة أو أخرى، ولكن الأدهى وأمرّ -وهذا هو مربط الفرس- أنهم كما قالوا وجدوا سهولة فى التعامل مع قضاة المحكمة وموظفي الاستجواب، فهي (مجرد نصوص) في قالب معين -كما قالوا- جرى تحفيظهم لها للإدلاء بها، وما شجعهم على ذلك أن هذه الشهادة ولكونها شهادة ابتدائية فى مرحلة التحقيق ليست مشفوعة باليمين؛ مجرد افادة باللسان لا يسبقها وضع اليد والحلف على المصحف، وبدا للكثيرين انها لا تكلف شيئاً، بحسب اعتقادهم، ونتيجة لبساطة فهمهم لمآلات الأمور ونتائجها!
 بعضهم كانت لديه درجة معقولة من الذكاء بحيث يدرك انه لن يأتي أوان الإدلاء بشهادته أمام المحكمة فى حضور المتهمين، وهو الاجراء الذي يتطلب اداء القسم، لأن المحكمة لن تستطيع عملياً أن تقوم باتفاق وتوقيف المتهمين! لذا فهو لن يضطر لحلف اليمين والكذب فى اجراءات المحاكمة فما الذي يضير -بحسب فهمه- من إرسال القول على عواهنه والتكسب منه؟
قضاة وموظفي محكمة الجنايات الدولية من جانبهم كانوا فيما يبدو يفكرون بذات الطريقة اذ ان كل المطلوب منهم تأسيس دعوى جنائية بأدلة وبينات ابتدائية تخول اصدار مذكرة توقيف بحق المسئولين السودانيين.
 المحقق لويس أوكامبو ورغم قلة تواضع خبرته القانونية كان يدرك ان مهمته تنحصر في توفير بينات مبدئية تتيح اصدار مذاكرات توقيف، بغض النظر عما اذا كانت هذه الأدلة والبينات فى وقت لاحق تقود الى إدانة المتهمين إدانة فوق مرحلة الشك المعقول. وهذه النقطة هي التى شجعته هو فريقه على تلقين الشهود لإفادات بعينها وبذل المال لبعضهم والى رشوة بعضهم وتحقيق أمينات بعضهم بتوفير اقامة بضمانات معينة فى الخارج تحت مسمى برنامج حماية الشهود!
وتقول استقصاءات (سودان سفاري) ان المدعي العام للمحكمة لويس أوكامبو كان منذ اختياره مدعياً عاماً يإيعاز وترتيبات سرية أمريكية، يعرف طبيعة ما هو مطلوب منه: أن سيتصدر مذكرات توقيف بحق القادة بأي ثمن وبأي كفة دو النظر الى مآلات المحاكمة إدانة أو براءة!
أوكامبو بحسه القانوني المتواضع فهم طبيعة المهمته ولهذا لم يكن يتحلى بأدنى قدر من الحياء او الخشية، كونه ينفذ مهمة ذات طبيعة استخبارية اكثر من كونها مهمة قضائية كما يقال انه صاحب فكرة تغذية رصيده هو بقية قضاة المحكمة بالمال بطريقة هادئة وعادية لا تلفت النظر، فالرجل كان محامياً وبدا له أن الأمر لن يؤثر على حيديته وحيوية الاجراءات التى يقوم بها، ولعل اسطع دليل على إدراك اوكامبو لطبيعة مهمته انه كان يرى أمامه أكثر من 6 أعوام كافية جداً لتنفيذ المهمة، كما أنه -حسب تصوره المبسط- بدا له ان الولايات المتحدة وغيرها من الدول البكرى سوف تساعد فى توقيف المسئولين السودانيين، لأنها هي صاحبة الفكرة وهي التى انتخبته لها وقدمت المال اللازم.
مجمل القول ان تجربة المحكمة اعطت انعكاساً طبيعياً للطريقة التى تدار بها الامور فى المنظمات الدولية، حيث يمثل المال محور العمل، كما أن اختيار الاشخاص من دول لاتينية بمواصفات معينة (اوكامبو) والقاضية (سيلفيا أليجاندرا) من دولة واحدة من الارجنتيني لا يفوت على فطنة المراقبين! هي لعبة فى واقع الأمر جرت بسهولة تماماً مثل السفينة الإنجليزية الشهيرة (تايتانك) ولكن سرعان ما تحطمت بجبل جليد لم يكن فى حسبان أحد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق