الأربعاء، 27 يوليو 2016

ما سر صمت المعارضة السودانية حيال فساد محكمة الجنائية الدولية؟

منذ ان عرف النظام السياسي الدولة فى العصر الحديث عرف بأنه يتضمن جناحين، جناح حاكم منوط به التنفيذ والأداء السياسي وصيانة سيادة الدولة، وجناح معارضة على الجهة الاخرى يستفيد من أخطاء الجناح الاول ويوظف بعضها لصالحه لكي يصل
الى السلطة فى الفرصة القادمة.
في بعض الاحيان -كما في السودان الآن-  ربما لا يكون النظام السياسي العام للدولة بالقدر المطلوب من الجودة والمواصفات التى نراها فى الدول المتقدمة في الغرب عموماً وفي أوروبا، ولكن بالمقابل تظل جدلية السلطة والمعارضة قائمة، فهي من المفترض ان تكون وجهاً لعملة وطنية واحدة، تشترك في القضايا الوطنية العليا دون ادنى حذر أو جدال حاليها وتختلف فى فسحة التفاصيل الصغيرة و الرؤى والاسلوب.
المؤسف الآن ومؤلم ذات الوقت بشأن المعارضة السودانية، سياسية كانت أو مسلحة، انها قلما تقف موقفاً وطنياً مشرفاً يدل على أنها معارضة وطنية نزيهة ومجردة من أهواء او أمزجة السياسة الخاصة! في كثير من الاحداث الجسام التى مرّ بها السودان طوال قرن منصرم، نادر جداً ما تلمس موقفاً وطنياً خالصاً تقفه قوى المعارضة لوجه الوطن، او استناداً الى جذورها الوطنية او رغبة منها في تأكيد تفريقها بين الدولة والحكومة!
حتى إن الأمر بدا معتاد اً جداً إن من الطبيعي ان تنطلق أسارير قوى المعارضة إذا ما أصابت السودان جائحة (قرارات مجلس الأمن او عقوبات او إرسال قوات وملاحقة قضائية دولية، أو تهديد من دولة جارة، او تصريح من جهة دولية يستهدف الدولة) يطلق المعارضون حيال هذه التطورات تصريحات تضج بالابتهاج والفرح الغامر بل ربما اعتبر بعضهم الأمر بمثابة (انتصار للمعارضة)!
 هذا المسلك السالب غير المعهود فى الممارسة السياسية العامة فى كل دول العالم للأسف الشديد اصبح واحداً من أبرز خصائص المعارضة السودانية. فهي مع كل من يستهدف بلادها -ولو كان الشيطان نفسه- طالما أن ذلك يحقق لها سانحة لتحقيق متبغاها! ولكي لا يكون القول على عواهنه لنأخذ نموذجاً حياً، حاضراً الآن في المشهد السياسي العام وفى الساحة الدولية بكاملها، ونعني بذلك تداعيات قصة الفساد المكتشف مؤخراً في محكمة الجنايات الدولية اذ المعرف ان هذه المحكمة تلاحق رمز سيادة الدولة في السودان، ولا نود هنا من قوى المعارضة تأييد الرئيس السوداني أو الزود عنه رمز سيادة السودان، فربما كان هذا (ترفاً) بالنسبة لها لا قبل لها به، ولكن لماذا لزمت قوى المعارضة كامل الصمت حيال فساد محكمة الجنايات الدولية بغض النظر عن قضية ملاحقتها للرئيس البشير؟
أليست محكمة الجنايات الدولية مؤسسة دولية تعمل وفق نظام أساسي ولأهداف سامية؟ لماذا إذن لا يشكل انحرافها وفسادها صدمة للقوى المعارضة؟ هل هذا الصمت لأغراض عدم التعرض لها حتى لا تنهار وتدع الرئيس البشير وشأنه؟ ومن ثم لا تحقق قوى المعارضة أهدافها؟ أم أن قوى المعارضة تخشى من أن (تغضب) القوى الدولية الكبرى التى تترافع لها وتدافع عنها بشأن خصومتها السياسية مع الحكومة السودانية فإذا ما أغضبتها فقدت دعمها ومؤازرتها؟
 وهل هذا المسلك مسلك موضوعي متوازن، أن تلزم الصمت حيال ممارسات منحرفة، وتطلق لسانك حيال ممارسات الحكومة. أليست قوى المعارضة تحارب الحكومة السودانية بسلاح الفساد وعدم الشفافية وتبتهج كلما وجدت اسم السودان متذيلاً للقوائم الدولية المريبة فى هذا الصدد؟ ما الفرق وأين هي الموضوعية في إتخاذ المواقف بهذه الازدواجية المشينة؟ لا شك ان أداء قوى المعارضة السودانية في مجال النشاط السياسي أداء أقل من الحد الأدنى، وهذه في حقيقة الأمر احدى كبريات نقاط الضعف المزري في نظامنا السياسي العام في السودان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق