الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

جولة جديدة من مفاوضات دارفور اليوم... وفشل متوقع

يلف التشاؤم الجولة الجديدة من المفاوضات المشتركة بين الحكومة السودانية والحركات المتمردة، بينها "الحركة الشعبية-قطاع الشمال" والحركات الدارفورية، التي تُعقد، اليوم الأربعاء، لبحث قضايا السلام في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، التي شهدت حرباً أعواماً مختلفة. وتعد تلك الجولة العاشرة من المفاوضات حول منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بينما تعدّت هذا الرقم في ما يخص إقليم دارفور من دون إحداث أي اختراق يُنهي حالة الحرب في تلك المناطق.
ويعود سبب التشاؤم إلى أن الأطراف المعنية تدخل المفاوضات بمواقفها السابقة، التي عجّلت بانهيار جولات التفاوض الفائتة، فقد أعلنت الحكومة قبيل انطلاقة الجولة الجديدة عن حصر التفاوض في ملفات محددة ووفقاً لمرجعيات اتفاق الدوحة لسلام دارفور وبرتوكول المنطقتين المذكور في اتفاقية السلام الشامل "نيفاشا" التي وقّعتها الحكومة في 2005 مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق قبل انفصال الجنوب. وأكدت رفضها القاطع لإعادة التفاوض في تلك المناطق من جديد، وهو أمر ترفضه تلك الحركات وتتمسّك بالحل الشامل لتلك القضايا في إطار أزمة البلاد.
وقال وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، إن مفاوضات اليوم تتصل فقط ببحث عملية وقف إطلاق النار في المنطقتين، رابطاً عقد لقاء تحضيري مع تلك الحركات حول الحوار، بالوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أماكن القتال المختلفة.
من جهته، أكد الأمين العام لـ"الحركة الشعبية" ياسر عرمان، أن حركته لن تقبل بغير الحل الشامل ووقف الأعمال العدائية بدءاً بمدينة الكرمك في ولاية النيل الأزرق، وحتى مدينة الجنينة في إقليم دارفور. وقال إن وفد الحركة الذي يرأسه، سيذهب إلى المفاوضات للاتفاق على إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق القتال، فضلاً عن وقف الأعمال العدائية.
وتوجّه وفدا الحكومة و"الحركة الشعبية"، أمس الثلاثاء، إلى أديس أبابا، وسمّت الخرطوم كلاً من مساعد رئيس الجمهورية، إبراهيم محمود، ورئيس مكتب سلام دارفور، أمين حسن عمر، للتفاوض مع "الحركة الشعبية" والحركات الدارفورية كل على حده.
ويتوقف على تلك المفاوضات قضية عقد المؤتمر التحضيري الذي وافقت عليه الحكومة، أخيراً، بشرط اقتصاره على الحركات المسلحة إضافة إلى حزب "الأمة" بزعامة الصادق المهدي، فضلاً عن مجموعة السبعة الخاصة بالحوار التي وقّعت اتفاقاً مع تلك الأطراف في العام 2014 برئاسة رئيس حركة "الإصلاح الآن" غازي صلاح الدين، وأبلغت رئيس الآلية الأفريقية، ثامبو أمبيكي، رسمياً بتلك المواقفة في لقاء جمعه في جوهانسبرغ مع وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور.
وعلى الرغم من ذلك بدأت أطراف داخل الحزب الحاكم ولجان الحوار، في محاولة نسف خطوة وزير الخارجية بإعلان رفض تسمية المؤتمر التحضيري واستبدالها باللقاء التحضيري، على أن يقتصر ذلك اللقاء على الحركات المسلحة وحزب "الأمة" فقط، ويناقش الضمانات لمشاركتهم في الحوار الداخلي الذي انطلق لما يزيد عن الشهر في الخرطوم. كما أن السلطات أعلنت عبر مساعد الرئيس ورئيس وفد التفاوض، إبراهيم محمود، رفض مقترح الحكومة الانتقالية، فضلاً عن تشكيل جبهة عريضة للعمل داخل لجان الحوار لرفض المقترح الذي علت المطالبات به في مؤتمر الحوار الحالي.
ويقول وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن المؤتمر التحضيري يعني الاتفاق على أجندة للحوار ولجان، وإلغاء مؤتمر الحوار الماضي باعتباره أمراً لم يكن، مشدداً على أن "هذا الأمر غير مقبول إطلاقاً وإنما يجب البناء على ما هو قائم الآن"، لافتاً إلى أنه "يمكن اقتراح زيادة عدد اللجان أو الأجندة وما يشبه ذلك فقط".
ويستبعد مراقبون أن تنجح جولة المفاوضات اليوم في إحداث اختراق بالنظر إلى الظروف المعقّدة التي ستُعقد فيها، مع وجود خلافات حادة داخل تحالف "الجبهة الثورية" (التي تضم الحركة الشعبية والحركات المسلحة). هذه الخلافات تفاقمت حدّتها خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يرمي بظلال سلبية على جولة التفاوض، إضافة إلى دخول الأطراف بمواقفها السابقة نفسها، من دون إظهار أيّ مرونة أو تنازلات.
في المقابل، يرى مراقبون آخرون أن الضغوط الدولية والإقليمية القوية على الطرفين وتغيير المعادلة على المستويين الدولي والإقليمي، ستشكّل ضغطاً على الطرفين لإحداث اختراق، لا سيما أن المجتمع الدولي حريص جداً على التسوية السياسية في السودان، لتتفرّغ الخرطوم للقيام بدورها في المنطقة، إضافة إلى تأمين السودان باعتباره يمكن أن يشكّل تهديداً فيما يتصل بالإرهاب وتفريخه. ونشطت قوى دولية عبر اتصالات مكثّفة بالأطراف السودانية في محاولة لإنجاح الجولة الحالية من المفاوضات عبر الضغط على القوى المشاركة فيها، إذ عقد المبعوث الأميركي إلى السودان، بريستون ليمان، اجتماعاً بالحركات في باريس، مطلع الأسبوع الحالي، حثّها خلاله على العمل من أجل إنجاح المفاوضات.
وأنهت المعارضة السلمية والمسلحة، أخيراً، اجتماعاً في باريس لوضع رؤية تنسيقية للمؤتمر التحضيري المعلن، لا سيما في ظل رفض الخرطوم مشاركة المعارضة الداخلية فيه، وبحث أمر تفويض الصادق المهدي ليمثّل معارضة الداخل في المؤتمر. لكن في النهاية اتفقت الأطراف على رؤية تبناها الجميع لتكون نقطة الانطلاقة، وتتصل بتبني خيار تعبئة الشعب كخيار أول لتعديل موازين القوى باعتباره أمراً سيجعل الحكومة مضطرة لتقديم التنازلات في طاولة المفاوضات، على أن يكون الخيار الثاني هو الحوار الذي يقود إلى تفكيك نظام الخرطوم وتشكيل حكومة انتقالية. وقررت تلك القوى تجميد خلافات "الجبهة الثورية" حول تعيين رئيس جديد لها إلى وقت لاحق حتى لا يؤثر ذلك على جولة المفاوضات والمؤتمر التحضيري.
ويستبعد المحلل السياسي، محجوب محمد صالح، إحداث اختراق في الجولة الجديدة وعقد المؤتمر التحضيري وفق ما هو معلن، معتبراً تاريخ عقد الجولة التي أعلنتها الوساطة غير مناسب بالنظر إلى المشاكل الداخلية القائمة والاختلافات الكبيرة حول قضية الحوار بين الأطراف المختلفة. ويقول صالح في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه في حال لم تحدث تطورات إيجابية قبيل انطلاق المفاوضات فسيكون مصيرها كالجولات التسع السابقة، معتبراً "فشل الجولة الجديدة بمثابة العودة إلى نقطة الصفر، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام كافة الاحتمالات".
يُذكر أن السلطات السودانية، أبدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلال زيارة وفد دولي إلى البلاد برئاسة رئيس مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، جون غينغ، التزاماً بإصدار تصاريح للدول المانحة لنقل المساعدات الإنسانية للمتأثرين بمناطق سيطرة الحركات المسلحة. واشترطت لذلك ضمان أمن وسلامة البلاد من خلال الرقابة والتأكد أن الطائرات تحمل مواد إنسانية، وليس أسلحة عند دخولها، أو متمردين عند خروجها.
ووقّعت الحكومة السودانية والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، في أغسطس/آب من عام 2012، على المبادرة الثلاثية الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها حركات مسلحة، ولكن الاتفاق الذي وُقّع بطريقة منفصلة بين الفرقاء لم يرَ النور حتى اليوم، على الرغم من جولات التفاوض التي عُقدت في إطار تنفيذه، بسبب تعنّت الأطراف المعنية، إذ تتمسّك الخرطوم بإجراء تقييم ومسح ميداني بمشاركة مندوبيها للمناطق الخاضعة للحركات، والتأكد من حقيقة أرقام المحتاجين قبل السماح بإرسال الإغاثة، الأمر الذي ترفضه الحركات تماماً، وهي اقترحت، في وقت سابق، على المنظمة الأممية تجاوز الخرطوم وإرسال المساعدات عبر إثيوبيا أو دولة جنوب السودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق