الأحد، 22 نوفمبر 2015

الحوار المجتمعي الذي يدور الآن.. هل هو بداية لإنتاج الدولة السودانية؟

وضع مؤسسات الدولة كمحتوى مهم يتحقق من خلاله إحداث الرفاه والتطور للمجتمع في أي دولة، لابد أن يرتكز على وثيقة قومية إستراتيجية، وهي الدستور والذي تقوم عليه مؤسسات الدولة، والدستور كوثيقة جامعة، هو من إنتاج المجتمع نفسه لتحديد العلاقة ما بين الدولة والمجتمع وعليه يتم تأسيس الإستراتيجيات الأخرى التي تؤطر لحياة المجتمع في الأمن والدفاع والاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة .. وهكذا، إذن يجب أن نقتنع سلفاً بأن الدولة أساسها الدستور الذي يضع الإطار العام الذي يحدد خارطة للعلاقات ما بين كافة الأطراف.
نوجه سؤالاً لفعاليات الحوار المجتمعي هل نحن كدولة لينا الآن وثيقة دستور تقوم عليها دولتنا لنؤسس عليها حواراً هدافاً نخرج منه بجملة من المسارات الإستراتيجية في الدفاع والاقتصاد والاجتماع والثقافة .. ألخ؟ فإذا كانت الإجابة بالسلب ما المطلوب الآن وما هي المآلات المتوقعة من هذا الحوار؟
نلقي بهذه التساؤلات لاهتمامنا بالأمر من المنظور القومي المطلوب، لا علي أساس توجهي السياسي الراهن! فعلينا أن نلقي نظرة للواقع ونعكسه لفهمنا المتواضع بشفافية.. فإذا كانت الدولة لم تقم على دستور كوثيقة إستراتيجية دائمة نسبياً، يمكننا القول بأننا نؤسس حالنا على مبدأ رزق اليوم باليوم، فبالتالي ننشئ دساتير كحالة طوارئ وهكذا أيضاً المؤسسات المعبرة عن كيان الدولة هي تقوم على نفس مفهوم الطوارئ .
هذا الوضع بصراحة مزعج يضع المجتمع في حالة إحباط مستمر تقتل فيه روح الإبداع في كل شيء.
إنها لحظة للتأمل ونحن ندير هذا الحوار المجتمعي الهم والتاريخي .. تحليلنا هذا ينبغي أن لا نفهمه بأنه محبط أو مثبط للهمم، لكن هذه هي الحقيقة لا بد أن نقولها بصراحة وشفافية.
على حسب علمنا أن الدستور يحاول أن يضع إطاراً جامعاً يحكم تكوين مؤسسات الدولة التي تقوم بخدمة الشعب وتطويره المستمر والحفاظ على مكاسبه في مجالات الحياة المختلفة ليصبح الدستور نفسه واحداً من محتويات حضارات الأمم والشعوب، يحفظ لها حقها المتواتر في صنع الحياة (نأمل أن يكون تصوري هذا صحيح).
لذلك نقول نحن قلقون مما يجري الآن بالسودان، لم تستقر الأمور على دستور دائم منذ الاستقلال، كل الذي يجري علي الأرض أننا أمام دوامة من الحراك السياسي والفكري الذي يتحدث عن الدستور، فنشأت لجان ولجان وقامت مؤتمرات وتحركت وفود وجابت السودان بجغرافيته المترامية الأطراف والحال كما هو (أليس كذلك)..
ونلقي نظرة أيضاً إلى حال مؤسسات الدولة، إنها أيضاً في تحول مستمر لا تضبطها إستراتيجية محددة، ربما تعتمد على الحال السياسي أو الحكم السائد، فتنشأ وزارة وتلغي أخرى وتدمج أخرى في أختها .. وهكذا فالدستور هو الذي يجب أن يقيد التنفيذي وبل الإستراتيجيات المنبثقة عنه والتي تحكم المسار الكلي، هي محور المراجعة المستمرة لأفعالنا وتصرفاتنا بالدولة وليس المزاج اللحظي .. كثير من الدول مؤسساتها مستقرة لفترات طويلة لأهميتها في متابعة الإستراتيجية الطولية المدى والتي صيغت سلفاً متسقة مع مطلوبات الدستور، لأن الدستور وثيقة إستراتيجية زمنها الافتراضي أبعد وأشمل من الخطة الإستراتيجية المنتجة..
هذا الواقع المربك مضاره واضحة على حال دولتنا بالسودان، لم نستقر على إستراتيجية واضحة المعالم للتغير البعيد المدى، وإن وجدت خطة فهي ترف ذهني ومجهود علمي لم يؤسس على واقع دستوري ملزم لكادر الدولة سواء أكان على المستوى الدستوري أو التنفيذي .. وأبلغ مثال الآن, حال الإستراتيجية ربع القرنية التي من المفترض أن تحمل المجتمع والدولة إلى محطة الأهداف الموضوعة التي تصل مرماها في العام 2037م ..
فأين مؤسسات الدولة من هذه الإستراتيجية الطويلة المدى، فأول المخترقين لها هم الدستوريون بالدولة، لأن الإستراتيجية تحتاج لنموذج قيادي على قدر الفهم والتفاعل مع البناء الاستراتيجي الفكري القائم على الدستور كمعيار لتصرفاته، فإذا لم يهتم الدستوري بالرؤية الإستراتيجية البعيدة المدى فمن الذي يهتم!
إذن وجود الدستور الدائم الذي يحكم ويوجه المزاج السياسي، مسألة حتمية إذا أردنا مجتمعاً ودولة في نسق متناسق ومتوازن.
التزام مؤسسات الدولة وقادتها بالدستور وأية خطة إستراتيجية للتغيير البعيد المدى، يعني الانضباط المصوب نحو الاستفادة الحقيقية من الإمكانيات البشرية والمادية والطبيعية، وهذا هو المحك الحقيقي لقياس أداء الدولة بمؤسساتها تجاه التزاماتها نحو المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق