الأحد، 29 نوفمبر 2015

أخطاء بنيوية في طريقة إدارة الآلية الإفريقية للمفاوضات!

المفاوضات التي جرت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين الفرقاء السودانيين وبوساطة الآلية الإفريقية رفيعة المستوى. ربما جرت هذه المرة في طقس ومناخ مواتي وأفضل. وذلك لعدة اعتبارات: أولاً، السودان تسوده هذه الأيام – بالتزامن مع هذه المفاوضات– روح حوارية وفاقية جدية للغاية حيث يدخل مشروع الحوار الوطني في الخرطوم شهره الثاني. معطيات عملية كهذه من الضروري أن تفضي لأجواء مواتية لإجراء مفاوضات جادة.
ثانياً، القوى السياسية السودانية قاطبة -حاكمة ومعارضة- باتت تعول تعويلاً كبيرا على مبدأ التحاور والتفاوض باعتباره الحل الأمثل للوصول إلى حلول لمشاكل السودان ومن ثم فإن هذه الروح كفيلة بإعطاء العملية السلمية دفعاً قوياً.
ثالثاً، من المهم جدا –في ظل معطيات الحوار والروح السائدة فيه– العمل على وقف الحرب وتمرير الإغاثة والاعتناء بالنواحي الإنسانية المطلوبة، فطالما أن هناك حوار وسعي لحل سلمي فإن من الضروري وقف الحرب والعمل على معالجة أوضاع النازحين لتهيئة الوضع لمرحلة جديدة تمهيداً للحل السلمي الشامل.
هذه الاعتبارات الثلاثة المهمة هي التي تنظر من خلالها للمناخ المواتي لنجاح مفاوضات أديس، سواء على صعيد المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) أو على صعيد إقليم دارفور. وعلى ذلك فإن أية محاولة لإفشال هذه المفاوضات أو إطالة أمدها أو العبث بها تصب في النهاية في إنهيار العمل السلمي في السودان.
ومن الضروري هاهنا أن نشير إلى بعض الملاحظات الجديرة بالإشارة فيها يختص بدور الآلية الإفريقية  التي تتولى مهمة الوساطة بين الأطراف المتنازعة. إذ يلاحظ أن الآلية الإفريقية:
أولاً، تنظر إلى الأمور بمنظار عام لا يأخذ في الاعتبار تفاصيل المسارات التي تجري على أساسها المفاوضات إذ أن مسار  المنطقتين يختلف تماما -في سياقه العام وفي وقائعه- عن مسار أزمة دارفور. فأزمة دارفور لها منبر معروف ومعترف به دولياً وهو نبر الدوحة والذي قتل قضايا دارفور بحثاً ووضع لها إطار شامل. ومن شأن الخلط ما بين المنبرين أن يربك المشهد برمته .
ثانياً، الآلية افريقية لا تبدو منتبهة إلى أمرين مهمين وخطيرين: الأمر الأول، أن هناك حاجة إلى وقف العدائيات في المنطقتين وإقليم دارفور -كل على حدا- بغض النظر عن أجندات التفاوض المراد التفاوض حولها. الأمر الثاني، أن التفاوض لا علاقة له -على الأقل في هذه المرحلة- بالحوار الوطني ولا علاقة له بما يسمى بالجبهة الثورية.
إن خطورة النظر إلى المفاوضات باعتبارها مفاوضات مع الجبهة الثورية أو ما يسمى بقوى نداء السودان أنها تجرف عملية التفاوض إلى جرف هارٍ تهوي بالجميع في جهنم لا قرار لها. وإن عدم إنتباه الآلية الأفريقية لهذه الناحية الدقيقة هو الذي يجعل من المفاوضات محلاً للشد والجذب، إذ ليس المطلوب طرح (كافة قضايا السودان) في مفاوضات أديس أبابا والتوغل بها في قضايا الفترة الانتقالية والأوضاع الانتقالية دون أدنى مراعاة لما يجري حالياً من حوار وطني داخلي تشارك فيه قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني مهمة ومؤثرة!
ثالثاً، الآلية الإفريقية تبدو قصيرة النفس حيال كيفية إدارة عملية التفاوض فهي –بذات الأساليب السابقة– تدفع بأوراق للأطراف، ثم تحاول الحصول على موافقة كل طرف ومن ثم تدخل في سلسلة من التعقيدات وعقد الجلسات وإنفضاضها، ثم ما يلبث أن يقرر طرف رفع الجلسة للتشاور! أسلوب الآلية في طرح الأوراق التوفيقية لم يعد مجدياً ولا صائباً. فقد أثبتت الأحداث أن الآلية حتى حين تطرح في ورقتها مطالب طرف من الأطراف لا تحصل على رضاؤه، كما لا تحصل على موافقة الطرف الآخر!
رابعاً، نظرة الآلية الإفريقية إلى العملية التفاوضية باعتبارها هي التي سوف تضع الحل الشامل للأزمة، هي نظرة ليست واقعية، فالأمر يحتاج إلى وقت والضغوط وحدها ليست كافية، كما أن ممالأة طرف ضد آخر ولو من باب المجاملة والتكتيك، كل هذه أمور غير موضوعية وغير مجدية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق