الاثنين، 23 نوفمبر 2015

الحوار الوطني أكبر من مجرد اختزاله في حكومة إنتقالية!

مع إكمال مشروع الحوار الوطني الجاري حالياً بالعاصمة السودانية الخرطوم شهره الاول من أصل ثلاثة أشهر هي المدى الزمني المقترح مبدئياً له مع إمكانية تمديده، بدا واضحاً ان بعض القوى السياسية المعارضة المشاركة في المشروع لم تحتمل المشروع وما يتطلبه من نقاش وعمل دءوب، فبدأت تستعجل الحصاد وتقفز إلى قطف الثمار!
الآن بدا واضحاً ان غالب تركيز بعض هذه القوى يتجه صوب قضية الحكم، والمؤسف بهذا الصدد ان هؤلاء يودون إعادة تدوير ذات الساقية المقيتة التي شرب من كأسها المر السودان في حقب سابقة وعانى منها الأمرّين، ونعني بها الفرضية الاساسية الباعثة على الممل والفشل: حكومة انتقالية، ثم انتخابات عامة، ثم عودة جديدة للأزمة وبواسطة من لم يحالفه الحظ في الانتخابات العامة!
الاحزاب المعارضة التي طرحت صيغة حكم انتقالي بخيارات عديدة كما فعل المؤتمر الشعبي في ورقته الذائعة الصيت، المثيرة للارتياب، هي دون شك تختزل قضايا السودان بأكملها في قضية الحكم، وليس أدل على خلط هذه النظرة البالغة السطحية والضيقة، ان حزب المؤتمر السوداني المعارض بزعامة ابراهيم الشيخ، ومع أنه قاطع مشروع الحوار الوطني ورفض المشاركة فيه ما أن سمع بأطروحة الشعبي المطالب بحكومة انتقالية حتى سارع هو الاخر -من وموقفه في الرصيف السياسي البارد- للمطالبة بحكومة انتقالية!
المؤتمر السوداني أمعن في مغالاة بضاعته حيث اشترط لدخوله الحوار الاقرار بحكومة انتقالية! والمشهد على هذا النحو الاختزالي الاستباقي يزيد من تعميق أزمات السودان، حيث لم تكن أزمات هذا البلد في جوهرها أزمات متعلقة بطريقة الحكم ومن يحكم، فالقضايا المطروحة داخل مشروع الحوار الوطني اعمق وأهم من ذلك بكثير جداً. أين هي قضية الحرب والسلام وكيفية إنهاء هذه الحرب بعقل مفتوح وتبريرات حقيقية وجادة تنهي معاناة آلاف الاسر في دارافور وجنوب كردفان والنيل الارق التي تحولت من المدن والقرى إلى معسكرات النازحين البغيضة؟
وأين هي الاطروحات العلمية والعملية لمداواة علل الاقتصاد السوداني المزمنة والتي تحتاج بالفعل إلى رؤى ومقترحات حقيقية وبناءة؟ لقد كان ولا يزال مشروع الحوار الوطني مشروعاً وطنياً لإعادة بناء واعمار الدولة بمشاركة واسعة النطاق من كل الفرقاء السودانيين بصرف النظر عن من يحكم، فلو تم وضع الاسس القوية لبناء الدولة ونبذ الحرب، والعمل على التأسيس لمظلة سلام مستدامة تجنب هذه البلد ويلات الحرب العمياء هذه لكان ذلك انجازاً تاريخياً لا يقدر بثمن.
ومن جانب آخر فإن أي حكومة انتقالية مهما كانت قدرتها ونطاق تفويضها والمدى الذي يقرر لها لتصل اليه فهي لن تستطيع ايجاد معالجات ناجعة ونهائية لازمات السودان، كما أن من الممكن ان يلجأ من يخسر العملية الانتخابية -كما فعل الحلو ورفاقه في العام 2011 عقب انتخابات ابريل 2010م- إلى اعادة انتاج ازمة من جديد من واقع الشعور بالهزيمة والفشل.
الامر اكبر بكثير من مجرد اجتراح مقترحات تتعلق بالحكم ومشروع الحوار الوطني وأوسع من ان يوضع في هذا الاطار الضيق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق