الخميس، 26 نوفمبر 2015

عرمان وتأملاته الباريسية!

عشية انفضاض اجتماعات نداء السودان بالعاصمة الفرنسية باريس كان ياسر عرمان بصفة خاصة الاكثر تعاسة على الاطلاق. ملامح وجهه الجامدة بعدما غطى الحدث الارهابي الكبير في باريس على مخرجات الاجتماع كانت تنبئ بشيء يعتمل تعاسة وألماً في صدره. فالاجتماع الذي أريد له أن يهز مجريات الحوار الوطني الجاري في الخرطوم حدثت له هزة إرتدادية معاكسة، فقد نجح الحوار الوطني الجاري في الخرطوم في هز اجتماع باريس.
الجبهة الثورية التي لطالما تباهى بها عرمان وهو يمني نفسه بحركة شعبية أقوى من تلك التي أسسها قائده السابق جون قرنق وسودانه الجديد المنتظر تحطمت على نحو مفاجئ وتفرقت في مفترق طرق تاريخي بالغ الحساسية، للدرجة التي لم يعد بإمكان قادتها التفوه بإسمها قط!
المفاوضات السياسية التي تم تفصيلها خصيصاً على مقاس الحركة الشعبية قطاع الشمال في أديس أبابا وبرع عرمان في عرقلتها والتلاعب بها وإفشالها اصبحت الآن (بعبعاً) مخيفاً له ولرفاقه، بعدما أضحى قطاع الشمال جذراً بل أرخبيلاً من الجذر المتناثرة، وبعدما بات عرمان يخشى من ان ينحصر الامر في (المنطقتين) وحدهما وتصبح أزمته مضاعفة حين يتعين عليه –كقيادي– الاختيار ما بين الانتماء إلى جنوب كردفان أو جنوب النيل الازرق!
ليس ذلك فحسب، فقد كانت الانباء التي ترد إلى عرمان -بصفة روتينية وراتبة- من الخرطوم تشير إلى ان وقائع مؤتمر الحوار الوطني تحقق نجاحات مضطردة وأن حرية التداول وطرح الآراء تجري على قدم وساق، بحيث من الممكن ان يحقق المؤتمر نتائجاً سياسية مؤثرة وهو ورفاقه هناك في المنافي بعيدون عنها!
كل تلك الخواطر المؤلمة كانت تعتمل قوة في ذهن عرمان وهو يقف على بهو الفندق الباريسي الانيق. ولهذا لم يكن من بد من أن حاول عرمان توجيه دفة الامور إلى وجهة أخرى مغايرة. وجهة سياسية تصبح مدار أحاديث الصحافة.
ولأن الرجل يعاني (حالة نفسية) شديدة الوطأة لم يجد سوى محاولة الاستهانة والتقليل من الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية التي عقدت مؤخراً بين السودان والمملكة العربية السعودية. لقد بدا واضحاً ان عرمان بدأ بالفعل يخاف وبدأ القلق يأكل قلبه المكدود، فهو يدرك ان مثل هذا التطور الاستراتيجي الكبير بين الخرطوم والرياض يقضي وإلى الابد على مشروع السودان الجديد الذي ظل يحلم به.
ثم إن ذهنية عرمان التآمرية تفتقت عن محاولة اجراء عملية ربط فاشلة وفاضحة ما بين الحادث الارهابي المريع بوسط باريس، وما يجري في السودان، ومن المؤكد ان عرمان أدرك في خاتمة أطياف خواطره الباريسية الموحشة تلك أنه كان قد ترك لعنان لعقله الباطن ليهزأ ويتداعى كيف يشاء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق