الأحد، 22 نوفمبر 2015

الحوار الوطني.. إنعطاف خاطئ!

أخطأ البعض في فهم مضمون الحوار الوطني. البعض الآخر حاولوا تحريف معنى الحوار والانحراف به إلى وجهة أخرى مغايرة، ففي أجزاء متفرقة من العاصمة السودانية الخرطوم كثيراً ما يترامى سمعك أحاديث عن مقترحات تتحدث عن حكومة انتقالية، ومن ثم وضع انتقالي كامل، وهي أوضاع عادة ما يعقبها تغيير كامل للنظام القائم.
هذه الأحاديث والمقترحات جادة كانت أم غير جادة هي بالقطع ليست الغاية الإستراتيجية المرجوة من مشروع الحوار الوطني، وهو مفهوم سياسي خاطئ وشديد السطحية ويعطي انطباعاً وكأن كل مشاكل وأزمات السودان في إسقاط السلطة لقائمة وإحلال القوى المعارضة محلها بإتباع ذات الطريق والدورة الجهنمية الفاشلة: حكم عسكري، فترة انتقالية، حكم تعددي ثم حكم عسكري وهكذا دواليك.
إن مشروع الحوار الوطني في الواقع هو مشروع أعمق وأعظم من مجرد إيجاد (تسوية سياسية) بين فرقاء سياسيين بعضهم يحمل السلاح. مشروع الحوار الوطني مشروع سياسي اقتصادي ثقافي اجتماع لتأسيس وبناء الدولة السودانية بآراء وعقول أبناءها وذلك عن طريق توافق الجميع على تبني الحكمة الخالدة (كيف يحكم ويدار السودان، لا من يحكمه). ولهذا إذا أردنا إعادة التذكير بمطلوبات مشروع الحوار الوطني فإننا نشير إلى:
أولاً، وثيقة الحقوق، النظام الإداري، القوانين. ثانياً، حسم قضية الهوية باعتبارها واحدة من أعقد قضايا السودان المزمنة والتي أدت بطريقة مباشرة وغير مباشرة إلى انفصال جنوب السودان. ثالثاً، مناقشة قضايا الحرب والسلام، باعتبار أن الحروب الطرفية المتتالية من ما يسمى بالهامش، وإتجاه بعض المعارضين إلى حمل السلاح هي من أكبر معوقات تنمية وتطوير السودان وإعاقة تقدمه، ولهذا لا بد من تأسيس سلام استراتيجي مستدام يوقف الحروب، ويجعل التفاوض والحوار والمطالبة السياسية بالحسنى هي الوسيلة المثلى لحل المنازعات الداخلية.
رابعاً، التأسيس لحلول إستراتيجية ناجعة لمشكلة الاقتصاد السوداني باعتبار أن الاقتصاد السوداني -في بلد كالسودان يعج بالموارد الهائلة- قضية بالغة الأهمية لابد  من وضع أسس إستراتيجية شاملة تتيح لهذا البلد أن ينهض ويصبح بلداً متقدماً.
تلك هي النقاط الأساسية الملحة لمشروع الحوار الوطني، وهي نقاط الهدف منها كما هو واضح ليس عملية إحلال وإبدال للسلطة القائمة وإبدالها بالقوى المعارضة، فحتى لو كانت هذه هي رغبة غالب القوى المعارضة فإن هذا كما يقول علماء المنطق يعتبر بمثابة (مصادرة على المطلوب) إذ أننا نكون قد تركنا القضايا الحقيقة المراد إيجاد حلول لها وأضفنا عبئاً جديداً.
إن قضية إيجاد بديل للحكم القائم الآن -مهما كانت النوايا والدوافع- ليست أمراً مطلوباً ولا مرجواً بصفة مباشرة من وراء مشروع الحوار الوطني، ولذلك لعدة اعتبارات مهمة، أولها: أن الحكم القائم الآن -بصرف النظر عن أي شيء- هو حكم حائز على مشروعية انتخابية مستندة إلى الدستور والقانون (انتخابات 2015م) و لا شك أن مدة هذا الحكم القانونية هي 5 سنوات، ومن ثم لا مبرر على الإطلاق للمساس بهذه المشروعية الدستورية وإنما ينبغي التأسيس والبناء عليها حتى نكون قد كسرنا الحلقة الجهنمية الشريرة.
ثانيها، أن أزمة الحكم الحالية ليست مستندة إلى وجود حزب قوى حاكم بمعية أحزاب أخرى؛ الأزمة في جوهرها ترجع إلى ضعف البنيات التحتية للقوى السياسية وضعف الانتماء الحزبي في أوساط السودانيين عامة ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن الشعب السوداني تمثله أحزاب المعارضة والقوى المسلحة، كما لا يمكن لمدعي أن يدعي أن الشعب السوداني راغب في أن تحكمه قوى سياسية معارضة ومسلحة.
من الأفضل للجميع أن يستمر الحكم المنتخب الحالي إلى حين حلول أجل الانتخابات المقبلة 2020م، ليقرر السودانيون وقتها بمحض إرادتهم من يحكمهم. وأخيراً فإن القفز إلى قضية الحكم الانتقالي -قصيراً كان أو طويلاً- لتعقبه انتخابات عامة ثم تدور ذات الدائرة المعروفة إنما هو من قبيل إفراغ مشروع الحوار الوطني من مضامينه الحقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق