الخميس، 1 ديسمبر 2016

لماذا انسحبت روسيا من المحكمة الجنائية الدولية؟

دولة تعد ضمن الدول الكبرى وتحوز على مقعد عضوية دائمة في مجلس الأمن يتيح لها استخدام حق النقض (الفيتو) من الصعب القول إن قرار انسحابها من ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية 1998 يعود إلى مخاوف خاصة بها من أن يطالها سلطان المحكمة، أو أن لديها ما تخشى من أن يصبح مادة لتحقيقات المحكمة.
 إذ من الطبيعي وطالما ان روسيا عضو دائم في مجلس الأمن الذي يملك وحده سلطة إحالة أي حالة إلى المحكمة فإن بإمكانها استخدام حق الاعتراض بسهولة. ولهذا فإن من المهم جداً ان نتأمل بإمعان شديد في موقف روسيا هذا، فهي  بلا شك لم تتخذ هذا الموقف اعتباطاً.
هي بالتأكيد اتخذته في سياق حسابات دقيقة وقوية تتصل في الغالب بالمحكمة وطريقة عملها والعيوب الجوهرية الواردة ضمن بنود الميثاق المنشئ لها. فيا ترى ما هي المبررات الموضوعية التى دفعت روسيا لاتخاذ هذا الموقف الذي عده المراقبون بالغ الأثر والخطورة على مستقبل وحاضر المحكمة؟
أولاً، روسيا كما هو معروف موقعة على ميثاق إنشاء المحكمة ولكنها غير مصادقة عليه أي لم تحول الميثاق إلى قانون وطني يجعلها خاضعة للمحكمة، وهي بهذا الصدد تماثل موقف السودان الذي وقع على الميثاق ولكن لم يصادق عليه ولم يحوله لقانون وطني يلزم الدولة بالخضوع للمحكمة، هذا ما جعلها -أي روسيا- تقدم فقط إخطاراً للجهة المعنية في المنظمة الدولية بانسحابها ليعتبر الانسحاب رسمياً وسارياً.
هذه الخطوة فيما بدا من طريقة التفكير الروسية مردها إلى شعورها بأن سلسلة الانسحابات التى بدأتها الدول الإفريقية ربما تعجل بانهيار المحكمة في ظل هذه في غضون أشهر قلائل، من جهة، كما أنها إذا ما ظلت ضمن إطار المحكمة في ظل هذه الانسحابات ربما لا تحوز على علاقات جيدة في أفريقيا إذ أن روسيا تحاول لعب دور دولي مؤثر تماماً كما كان الحال على أيام الاتحاد السوفيتي.
هي تريد مساندة القوى الإفريقية التى هالها أن المجتمع الدولي لا يلاحق سواها و يمارس قدراً مريعاً من التمييز العنصري تجاه قادة القارة السمراء. والمسلك الروسي هنا يحقق نتائج ايجابية ضخمة و يتيح لها اكتساب رقعة سياسية مهمة في العالم.
ثانياً، ربما لاحظت روسيا -بوضوح تام- كيف رفضت الولايات المتحدة التوقيع على ميثاق روما وكيف حصلت على استثناء لها ولجنودها ثم بدأت تلاحق من تلاحقهم المحكمة! الموقف الأمريكي الشديد التناقض ربما بدا لروسيا مهيناً، فهي تنشط في ملاحقة الآخرين بهمة عالية وتستغل آلية المحكمة لأغراضها الخاصة بينما هي ليست عضوا فيه! إذن لابد لقوة دولية مثل روسيا أن تتخذ موقفاً يربك حسابات واشنطن وقد أربكتها بالفعل.
ثالثاً، خبراء قانون روس قالوا إن واحدة من أكثر الأمور التى ظلت تحيرهم حيال عمل محكمة الجنايات غضها الطرف عن جرائم واضحة وقعت من قبل قوى دولية معروفة، بما يشير إلى وجود ازدواج في المعايير؛ هذا الازدواج ترفضه روسيا -بغض النظر عن مضمونه- لأنها تود أن تتخذ موافقاً واضحة في مجلس الأمن (من منطلق أخلاقي ومبدئي) –كما يقول هؤلاء الخبراء حيال أي عملية إحالة يتخذ مجلس الأمن .
وعلى كل فإن الموقف الروسي –الذي احتفظ قادته في موسكو بالقدر الأكبر من سر هذا الموقف– يعطي مؤشراً مهولاً على أن محكمة الجنايات الدولية بالفعل باتت أيامها معدودة، ومعدودة جداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق