الأحد، 25 ديسمبر 2016

العصيان.. هدية تاريخية غالية من المعارضة للحكومة السودانية!!

كعادتها في تحليل الأوضاع وسوء تقدير الأمور خاضت قوى المعارضة السودانية (مع الخائضين) في ما يسمى بالعصيان المدني. ربما كانت نظرتها لهذا المسلك من زاوية أنها لن تخسر شيئاً، أو أنها لن تخسر بأكثر مما هي خاسرة أصلاً. 
ولكن من الناحية السياسية العملية فإن هذا الموقف الذي اتخذته قوى المعارضة واعتبرته الطوفان الذي سيقتلع خصومها في الحكم ويريحها منهم إلى الابد، في جانبه الآخر بمثابة قوة دفع سياسية لم تكن الحكومة تتوقعها ولكنها بالتأكيد فرحت بها واستطاعت أن توظفها توظيفاً جيداً جداً لصالحها!! كيف ذلك؟ الحكومة السودانية كانت تقترب من انفاذ مخرجات الحوار وكانت تعلم أن هذه المخرجات هي أمل وطموح الشعب السوداني صاحب المصلحة الحقيقية، وربما كان بعض القلق المشوب بقليل من الحزن ينتاب الحكومة كونها ما تزال غير قادرة على إجتذاب كل القوى المعارضة للحوار حتى يتم حل الأزمة من جذورها – ولا شك أن الحكومة تبحث عن انجاز وطني كهذا يحسب لها تاريخياً ويكون له وزن سياسي في الخارج بحيث يضطر أعداؤها في الخارج – المتمثلين في القوى الدولية الكبرى – لترك ملاحقتها بالحصار والعقوبات والملاحقات الحقوقية التي ظلت تثقل ظهرها لما يجاوز العقدين من الزمان. 
إقدام القوى المعارضة في مثل هذا التوقيت على إستخدام سلاح العصيان المدني ثم فشل هذا السلاح كأمر حتمي، أعطى قوة دفع للحكومة السودانية فهي تدرك أن عليها – بعد هزيمة خصومها – أن تحقق عدة انجازات سياسية ناجزة ومؤثرة.

أولاً : تقوم بانفاذ أهم مخرجات الحوار المتمثل في تشكيل حكومة وفاق وطني، وهو أمر سيتم تنفيذه في غضون أسابيع قلائل واذا ما تم تنفيذه فإن الحكومة تكون قد نجحت في ترسيخ قيمة وفاقية وتراضي وطني بنسبة كبيرة جداً.

وجود أغلب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات القومية في الحكومة الجديدة يعطي السلطة مشروعية وطنية أوسع وأقوى ويضيق هامش معاداتها ومعارضتها – العصيان المدني الفاشل جعل شعب السودان يزيد استمساكاً بالحكومة الوفاقية المرتقبة وبمخرجات الحوار الوطني وعمليات الاصلاح المقررة، فهي الطريق الوحيد نحو اصلاح الاوضاع. إدراك الحكومة بعمق لهذه النقطة سوف يجعلها تعمل على (تجويد) تنفيذ المخرجات بأفضل مما كان البعض يتوقع بحيث تجد القوى المعارضة نفسها بلا قضية تعارض بشأنها ولا مبررات تخاسم بها.

ثانياً : المجتمع الاقليمي والدولي – بعد فشل العصيان المدني – أدرك أن الحكومة تتمتع بقبول شعبي عام إذ ليس من السهل أن يفشل عصيان مدني لمرتين اذا كانت الحكومة مكروهة من شعبها أو مرفوقة منه أو عاجزة عن تلبية احتياجاته – المنطق السديد يقول أن أحداً ليس بوسعه الاستهانة أو التقليل من جماهيرية وشعبية الحكومة، والا لكان العصيان قد عصف بها وألقى بها في قرار سحيق.
ثالثاً : تشكيل الحكومة الوفاقية المقبلة الذي اقترب كثيراً – مطلع يناير المقبل – من شأنه أن يمنح السودان وضعاً اقليمياً ودولياً جديداً ويصعب مهمة حملة السلاح ويلقي بأعباء ثقيلة على مفاوضي الحركات المسلحة اذ لم تعد السلطة الحاكمة مجرد حزب واحد حاكم وإنما هي حكومة جاءت بناءً على مخرجات الحوار امتد لعامين! وهكذا فإن قوى المعارضة عملت على ترجيح كفة الحكومة وتقويتها أكثر في أحرج توقيت كان قلق الحكومة فيه بائناً فإن شئت سميه غباء المعارضة السياسي أو قلة حيلة المعارضة ولكنه بالتأكيد حسن نية وشدة مهارة الحكومة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق