الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

حتي لانستمريء لعبة خداع الذات ، كيف تفكر المعارضة في السودان ؟!


من الحقائق المؤسفة ، أن فكرة العصيان المدني التي تهربت من قبولها بعض أحزاب المعارضة من أسباب منطقية تدخل في صميم رؤيتها السياسية للمرحلة ، هي مجرد إجترار لماتم فعله في الماضي ، هي حالة إسترجاع وإستدعاء لتجارب سابقة . 
وإن الإجراء السياسي الذي يكلل بالنجاح قبل مايزيد عن ثلاثينا عاما ، لايكون من الطبيعي إفتراض نجاحه في نفس البلد ونفس التوقيت من الشهر تيمنا ببركة اليوم رقم (27) منه ، نجح الإعتصام في مارس 1985م لأن التغيير السياسي والإجتماعي في السودان كان قد أصبح حتميا . 
إنعكست حالة الإختلاف السياسي علي مستوي الأهداف والغايات بين أحزاب المعارضة التي إختلط فيها حابل التمرد بنابل الإنقسامات التنظيمية الجوهرية التي طالت الأحزاب التأربخية والحزب الشيوعي الذي يعتبر الأكتر تضررا من هذه الحالة الأخيرة. 
دخلت هذه الأحزاب وحلفاءها من قادة الحركات المسلحة الي ميدان المواجهة السياسية المكشوفة مع النظام في الآونة الأخيرة وتحديدا بعد إعلان وزير المالية عن رفع الدعم الحكومي من المحروقات والأدوية وغيرها ، مماشجعها علي التحرك بإتجاه تعبئة الشارع في السودان لمناهضة هذه الإجراءات الحكومية . 
وهذا يفيد في تثبيت حقيقة أن الحكومة في السودان هي من يقوم بتخطيط عمل هذه المعارضة وتحريكها في الوقت الذي تختاره ، لتكون قيادة هذه المعارضة لأي أنشطة سياسية ميدانية في الراهن هي مجرد حركة أشبه بالتصرفات اللا إرادية . 
ماذا تريد الحكومة الأن ؟! 
يعرف الخبراء ودهاقنة الأمن في السودان أن الطريق الي إيجاد تسوية سياسية ما مع المجتمع الدولي يمر عبر عدد من الخطوات الإصلاحية الهيكلية علي إقتصاد البلاد ، وأنها تقوم عمليا بالتعاون معه لتحقيق هدف الإستقرار الأمني في داخل دولة جنوب السودان وعدد من الدول الأخري في الإقليم ، وهذا التعاون الدولي تقف خلفه دول لها نفوذها الكبير داخل مجلس الأمن ، ولا مصلحة لواشنطن والإتحاد الأوربي في أن يسقط نظام الرئيس البشير الأن . 
إستغلت الحكومة في الخرطوم عنصر المفاجأة لإرباك قادة المعارضة الذين إستمعوا الي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير المالية يوم 29 أكتوبر الماضي مثل بقية الموأطنين من أجهزة الإعلام وهم موزعين أديس أبابا والقاهرة وباريس وسط شبكة إتصال بيني مشغولة حد التشويش ، الأمر الذي أدي الي أن تتخذ هذه القرارات المتعجلة والفطيرة وتلقي بها الي الشارع الذي أصيب هو الأخر بالإحباط جراء هذه التناقضات المسلكية والسياسية التي باتت تطبع تعاطي هذه المعارضة مع متغيرات الساحة السياسية في السودان . 
نجح حزب المؤتمر الوطني في إفراغ هذه المعارضة من مضمونها تماما ، إن كان ذلك علي مستوى الخطاب السياسي والبرامج والخطط المتفق عليها بينها وبين الحركات المسلحة أو بينها وبين واشنطن وباريس . 
لأن العصيان المدني الذي يتم تنفيذه الأن تحت إشراف هذه المعارضة هو شكل خارجي لمقاومة سلبية ، ولاتملك هذه المعارضة متابعة بقية خطواته وصولا لتوجيه وضبط الشارع نحو التظاهر ومواجهة الحكومة ميدانيا لعدم وجود قيادة جماعية أو فردية لها قبول شعبي في هذا الشارع . 
وتقوم الحكومة عمليا بتنفيس كل مخططات هذه المعارضة من خلال توظيف عدد كبير من كوادرها كغواصات لقاء المال أو التسهيلات التجارية وتداخل المصالح والعلاقات الإجتماعية وهناك أحزاب تأريخية تشترك بعلم الكافة مع الحكومة في إدارة دفة الحكم وتؤدي واجبها في حماية النظام . 
إستهدف الإعلام المحلي كوادر الحزب الشيوعي وقياداته بصورة مكثفة ، وهذا نوع من أنواع الخداع تمارسه الحكومة ضد هذه المعارضة بوضعها في صورة التابع لهذا الحزب بعلاقاته التنظيمية مع الحركة الشعبية ، وتحت ظل فردية وإنتحارية حزب المؤتمر السوداني ورمادية موقف حزب الأمة القومي وتباعد خيوط التنسيق بينهم وبين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور ، سيكون الحزب الشيوعي هو الخاسر والأكثر عرضة للتنكيل بكوادره في الداخل والخارج مالم تتدارك قيادته أخطاءها الإدارية باكرا بسبب ضعف حلقات بناء القرار التنظيمي في الحزب والذي أصبح حكرا علي الخطيب وثلة صغيرة تحوم من حوله . 
سينتهي العصيان المدني المعلن بتفس الهدوء الذي بدأ به ولن تخسر الحكومة شيئا بإعتبار أنها هي من قام فعلا بجر قدم المعارضة الي هذا الميدان وفي التوقيت الذي إختارته بمحض إرادتها دون أن تطلق طلقة واحدة ضد أحد . 
وحتي تتمكن المعارضة من تقديم قيادة محترمة لها وزنها السياسي والإجتماعي الي الشارع السوداني ، يمكننا أن نتحدث حينها عن ثورة شعبية تستطيع أن تطيح بنظام المؤتمر الوطني في السودان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق