الأحد، 25 ديسمبر 2016

غياب التطور الاستراتيجي في ذهنية القوى الحزبية في السودان!!

المؤسف في التجربة السياسية السودانية الحديثة، أن العقل السياسي للقوى السياسية المعارضة مصاب ببطء في النمو – الإصابة هذه ربما كانت قديمة ومنذ ميلاد الأحزاب في السودان، ولكن في السنوات الأخيرة فإن الأمر استفحل على نحو مرعب ومفزع وصار يتطلب تدخلاً جراحياً!! بطء النمو الذي نعنيه هنا يتمثل في عدة أمور استراتيجية لا فكاك عنها ولا مفر منه.
أولاً : التجارب السياسية القديمة كلها كانت تبدأ وتنتهي بعبث الحقب التعددية.
أس العطب المركزي في التجربة السياسية السودانية يتمثل في البون الشاسع ما بين الواقع والمثال في فهم الديمقراطية والحرية واستيعاب الواقع السوداني. لكل تعقيداته ومشاكله المزمنة. الديمقراطية هي بالفعل أفضل وسيلة حكم عرفتها البشرية ولكن هذه الديمقراطية في كل بلدان العالم تستند إلى موروث البلد وثقافته وظروفه وطريقة تعاطيه مع الشأن العام. ففي فرنسا يختلف الأمر عن بريطانيا وبالطبع يختلف عن ألمانيا وعن الولايات المتحدة. 
وفي كل هذه البلدان فإن هنالك (سياجاً تاريخياً) للممارسة ومضمار محدد بحدود وخطوط وقواعد. المشكلة في السودان أن القوى الحزبية ترفض التأسيس لهذه الديمقراطيةن تريد أن ينطلق الناس هكذا يخوضون انتخابات عامة، ثم يحكمون!! وقد وفرت سانحة مشروع الحوار الوطني (فرصة تاريخية) لعملية (تأسيس الديمقراطية) ووضع أساس للدولة السودانية وكان من الممكن أن يتوافق الكل على هذه الوثيقة التأسيسية بدون استعجال الثمرة واستعجال قطف السلطة. 
بطء النمو العقلي السياسي لدى القوى الحزبية في السودان يتجلى بوضوح في هذه النقطة الحرجة. القوى الحزبية متعطشة للسلطة وليست متعطشة لحرية أو ديمقراطية، متعطشة للسلطة وشديدة الغبن تجاه السلطة الحاكمة لا لسبب سوى لأن الأخيرة حرمتها من التمتع بهذه السلطة. هذه واحدة.
ثانياً : تجربة الحوار الوطني لو وفرت لها هذه القوى المعارضة أرضية رضائية وسياج سياسي آمن وقوى ودعمتها ووقفت من خلفها وحافظت على تنفيذ المخرجات فإن الاوضاع سوف تتحسن لا محالة ومن ثم تعود الممارسة الديمقراطية ولو بعد (20) عاماً، المهم أن تعود على نحو قوى راسخ ومتين.
ثالثاً : من قبيل الترف والبذر السياسي – إذا صح التعبير – أن يتاح لقوى معارضة عاجزة ومعقدة وكسيحة فرصة الحوار الوطني ولكنها تركله برجلها الإثنتين، هكذا بلا مبرر مقنع، ثم تعود (من الشباك) تبحث عن عصيان مدني واسقاط للنظام، وانتفاضة! المفارقة هنا أن الاستراتيجية المتعلقة بالنتائج التي توصل اليها الحوار هي في الحقيقة الوسيلة المثلى للتغيير، وهو تغيير متدرج وهادئ ورزين ربما يأخذ عقوداً من السنوات ولكنه أفضل لمصلحة الدولة السودانية.
إذن معضلة القوى الحزبية المعارضة عوضاً عن بطء عقلها السياسي وتجمده في التجارب الماضية أنها قوى بلا جماهير ولا قواعد حقيقية وكل همها أن تنال من خصمها الحاكم، ولن يهمها في سبيل ذلك سقوط الدولة السودانية نفسها وانهيار بنياتها التحتية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق