الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

الاقتصاد السوداني وفترة الانتقال الإستراتيجي الكبرى!!

بالطبع لا يمكن الجزم بأن المعادلة الإقتصادية التي لجأ إليها السودان مؤخراً أملاً في إستعدال ميزانه الإقتصادي المختل هي خاتمة المطاف.
كما لا يمكن إعتبار هذه المعادلة، بمثابة (الحل السحري) لأزمة متطاولة ظل يعاني منها هذا البلد الناهض لعقود خلت جراء تكالب القوى الدولية الكبرى عليه ومحاصرتها له، واشعالها للحروب العبثية على أطرافه، ولكن هي دون أدنى شك معادلة واقعية جادة. واذا أردنا إحصاء أيجابيات هذه المعادلة القائمة على إشراك المواطن في نهضة إقتصاد بلاده ودخوله في الدورة الاقتصادية الدولية بواقعية، فإن بإمكاننا أن نلحظ الآتي : أولاً : أهم ما أمكن تحقيقه، إشعار المواطن العادي بأن عليه أن يتحمل جانباً من المسؤولية الإقتصادية وأن يعرف مقدار ما ينتج، ومقدار ما يستورد، وقيمة عملته الوطنية وكيفية تعامل عملته الوطنية في السوق التجاري العالمي. لقد بدأ لكل مواطن أن السعر الذي تحوز عليه عملته الوطني هو السعر الحقيقي ومن ثم فإن هذا في حد ذاته – بمثابة حافز ضروري جداً – يجعل المواطن يسهم في رفع سعر عملته الوطنية من خلال اهتمامه باحتياجاته الضرورية وترك السلع الكمالية، والتعود على تفضيل الصناعة والمنتجات الوطنية على غيرها. هذه ايجابية كبيرة تدفع كل مواطن للعمل من أجل رفع شأن الاقتصاد آملاً في تحسن قيمة عملته الوطنية.
ثانياً : المعادلة تلزم الحكومة بوضع نصب عينيها جدلية التصدير والاستيراد، دون أن تكون مقيدة بفارق في سعر الصرف، ففي السابق كان ينظر للميزان الاقتصادي ككل من زاويتين، زاوية واقعية وأخرى يمكن القول انها زائفة وهي المتعلقة بتسمية قيمة اسمية للعملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية. الآن صار محتماً على الحكومة أن تتابع عن كثب سعر عملتها الوطنية وأسعار السلع والخدمات بما يسهم في اصلاح الخلل في الموازنة العامة ويقلل من ما يعرف اقتصادياً بالتمويل بالعجز.
ثالثاً : المعادلة الجديدة تجعل العالم والاقليم على السواء على علم تام بالميزان التجاري للسودان بلا تشوهات ولا اختلالات ومن ثم يفيد ذلك في انجاز تعاملات تجارية مع السودان بطريقة سلسة وواقعية.
رابعاً : المعادلة الجديدة أيضاً من الممكن ان تجعل المواطن العادي من جهة والذين يحملون السلاح ضد الحكومة من جهة أخرى يدركون فداحة الصرف المالي الكبير على الحرب، ففي السابق كان يقال مثلاً أن الحرب تكلف الدولة واحد مليون دولار يومياً، ولكن المواطن أو حامل السلاح لا يكون بوسعه إدراك فداحة هذا الصرف فهو لا يشعر به لأن السعر الرسمي المعلن بواسطة البنك المركزي كان أقل الآن وضع جلياً كيف يكون الصرف على الحرب مكلفاً.
وهكذا فإن ما يمكن أن نطلق عليها (الواقعية الاقتصادية) الحديثة التي باتت سمة بارزة في الإقتصاد السوداني – رغم مرارة الإجراءات وشدتها – هي في واقع الأمر تصحيح لمسار سياسي واقتصادي واجتماعي، فالمتغيرات المتوقعة جراء هذه الإجراءات إيجابياتها أكبر من سلبياتها، اذ من المؤكد أن قطاعات المجتمع السوداني سوف تضع منهج التقشف والاقتصاد في الصرف ضمن أولوياتها، اذ لا مجال للصرف على الكماليات غير المفيدة وهذا بدوره يسهم في تقليل إستيراد هذه السلع الكمالية، ومن جانب آخر فإن مشاركة المواطن لحكومته في الهم الاقتصادي يجعل القطاع الخاص، مسلحاً بوازع وطني وهو يريد مصالحه الاقتصادية اذ أن القطاع الخاص يصبح واحداً من أعمدة البناء الإقتصادي الهادف إلى الارتقاء بالاقتصاد صحيح ان المرحلة المقبلة – على المدى القريب – ربما تفرز نتائجاً سيئة ولكن دون شك هي فترة انتقال اقتصادي لابد فيها من مثالب وسلبيات وخسائر وهي خسائر محسوبة ومتوقعة، ولكن على المدى البعيد فإن تعاقب الحكومات لن يؤثر في مسيرة الاقتصاد كما أن العالم سوف يضطر لاصلاح نظرته حيال الاقتصاد السوداني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق