الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

الأهمية الإستراتيجية للتعديلات الدستورية الجارية حالياً في السودان!

كعادة الساسة السودانيين ما أن شرعت اللجنة الطارئة المكلفة بتقديم المقترحات الخاصة بالتعديلات الدستورية انفاذاً لمخرجات الحوار الوطني، حتى بدأ الجدل يثور هنا وهناك – البعض ينتقد مسار عمل اللجنة ومقترحاتها ما بين رافض لتوسيع صلاحيات الرئيس، وما بين داع لمنح رئيس الوزراء صلاحيات أكبر وبعض ثالث يقول أن هذا ما لم نتفق عليه. 
ولا شك أن كل هذه الانتقادات والمشادات سابقة لأوانها، ليس فقط لأن عملية إنفاذ مخرجات الحوار الوطني عملية طويلة وصعبة وتستلزم نفس طويل وصبر ومثابرة، ولكن لأن هذه التعديلات الدستورية نفسها وأياً كانت سوف يتم التداول حولها مطولاً قبل عرضها على البرلمان لإجازتها. 
لا يمكن لعاقل أن يتصور أن الحكومة إرتضت هذه المخرجات واقترحت مشروع الحوار الوطني نفسه لكي تتنصل منه. ربما يكون اهتزاز الثقة أو غيابها بين الأطراف – جراء تراكمات سياسية سابقة – أو مخاوف هنا وهناك من قبل بعض الوقى المعارضة، القليلة الحظ جماهيرياً هي التي تثير كل هذا القلق والخوف ولكن من الناحية الموضوعية فإن التعديلات التي تجري الآن، هي تعديلات ذات طبيعة استراتيجية، المهم فيها وضع أساس متين لكيفية صياغة دستور دائم يقرر الطريقة الدائمة المثلى لحكم السودان. 
المؤسف الآن أن هذه التعديلات ينظر إليها كرافعة سياسية لحكومة الوفاق الوطني المقبلة – كل القوى السياسية المتعطشة
للسلطة تنظر اليها من هذه الزاوية الضيقة مع أن الامر أبعد ما يكون عن كل ذلك ولهذا فإن هذه التعديلات الدستورية ينبغي النظر إليها أولاً : من زاوية كونها أجراءً استراتيجياً عاجلاً الغرض منه خلق تراضي وطني حول أجهزة الحكم ومؤسسات الدولة، ففي ظل نظام سياسي رئاسي يملك فيه الرئيس السلطات التنفيذية وتم إنتخابه أساساً – في آخر انتخابات رئاسية – على هذا الأساس فإن من الصعب تجريد الرئيس من هذه الصلاحيات – الأمر يتطلب موازنة موضوعية ومشاركة متوازنة بين الرئيس ورئيس الوزراء، بمعنى آخر فإن تغليب صلاحيات جهة على أخرى ليس مطلوباً كهدف في حد ذاته بقدر ما أن المطلوب هو خلق عملية توازن بين مؤسسات الدولة تتيح التشارك المعقول.
ثانياً : مقترح استحداث منصب رئيس وزراء في ظل وجود الرئيس يعرف في علم العلوم السياسية (بالنظام المختلط)، أي النظام الثالث ما بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني. الغرض من النظام المختلط الجمع قدر الإمكان ما بين مزايا النظام الرئاسي والنظام البرلماني وتفادي مساوئ كل نظام ولهذا فإن من غير المتوقع في ظل تجربة مستحدثة يدخلها السودان – لأول مرة – في تاريخه أن تمضي الأمور بسلاسة. 
النظام المختلط الذي يجمع بين مزايا النظام الرئاسي والبرلماني له شكل في فرنسا، وله شكل آخر مختلف في مصر وله شكل ثالث في دول أوروبية كثيرة، المهم فيه خلق عملية إنسجام وتناغم بين مزايا كل نظام بحيث تتحول أجهزة الدولة إلى أجهزة مكملة لبعضها بدلاً من أن تتحول إلى أجهزة متشاكسة! لا يمكن لعملية حوار وطني أن تفضي في النهاية إلى قيام نظام سياسي متناقض ومتعارك.
ثالثاً : التعديلات الدستورية الجارية حالياً هي أهم مرحلة يمكن على أساسها بناء الدستور الدائم، فالتوافق المتوفر حالياً – في مناخ وأجواء الحوار – سوف يساعد على تأسيس أرضية قوية لدستور دائم لا يحتاج سوى لصياغة وضبط، بعد أن أصبحت كل القضايا الأساسية محل إتفاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق