الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

"استئناف"

في غمرة الأحداث التي تلت رفع الدعم انزوى ملف السلام في المنطقتين ودارفور بعيدا عن اهتمامات الإعلام والصحافة، على الرغم من أن حراكا مستمرا يجري من أمام الستار وخلفه بشأن القضيتين، فالمبعوث الأمريكي الخاص للسودان دونالد بوث انخرط في لقاءات كثيفة مع مسؤولين في الحكومة وإدارات أهلية وفعاليات مجتمع مدني شملت العاصمة الخرطوم والولايات المعنية بالصراع، وتأتي لقاءات الرجل في ظل تطورات كثيرة شهدتها بلاده على مستوى انتخاب رئيس جديد لم تظهر معالم
سياسته تجاه السودان بعد، وكذا التطورات في الملف الداخلي للبلاد والذي ترجمته الحكومة عمليا بختام مؤتمر الحوار الذي طرحته واستجابت له قوى سياسية بالداخل، هذا فضلا عن قضية الأزمة الاقتصادية ورفع الدعم عن السلع والمحروقات.
الشاهد أن آخر جولة من المفاوضات بين الأطراف والمسماة تشاورية انعقدت في أغسطس الماضي بأديس أبابا لم تستطع تجاوز العقبة الوحيدة التي تمترس خلفها الحل، انفضت تلك الجولة بتكرار ذات الخلاف دون الإجابة على السؤال: كيف تدخل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في المناطق المتضررة من الحرب؟، فالحكومة ترى في سيادتها خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه، وقالها الرئيس البشير في إحدى خطاباته المغلقة: "لن نسمح لهم بإدخال حبة واحدة من خارج الحدود"، بينما الحركة تقول إن موقفها حول إدخال عشرين في المئة من المساعدات عبر (أصوصا) الإثيوبية ثابت ولا تراجع عنه.
عقب تلك الجولة دخلت ساحة التفاوض في هدوء عميق دون حراك على المستوى الرسمي، هذا مقرونا بتجديد وقف إطلاق النار من الجانبين حتى نهاية العام الجاري سيما الحكومة.
ولكن في سياقات أخرى انخرطت الأطراف في لقاءات وصفت بالسرية لكونها غير معلنة جرت في مواقع مختلفة من بينها الدوحة وأديس أبابا وجنوب أفريقيا، ضمت أعضاء من الوفود المفاوضة كان الهدف منها إيجاد مداخل للأبواب المغلقة بفعل التمسك بالمواقف، والذين يدعمون هذا التوجه يعتقدون أن الحوار المباشر المفتوح للإعلام دائما ما يعقد الحلول، لأن الأطراف تظهر بخلاف ما تبطن، يقول أحد أعضاء الوفود: "عندما ندخل في الغرف المغلقة ونتحدث بصراحة نكاد نصدق أن المشكلة حلت تماما، ولكن بعد أن نخرج نجد الواقع مختلفا لأن البيانات الرسمية تحمل لغة غير التي دلقت في الداخل"، يقول أمين حسن عمر رئيس وفد الحكومة لمفاوضات دارفور في تصريحات نشرت بحر الأسبوع المنصرم عقب لقاء جمعه بالمبعوث الأمريكي الخاص للسودان دونالد بوث: "حاليا في أديس أبابا هناك جنرالات من حكومة السودان وحركتي (العدل والمساواة) و(تحرير السودان- مناوي) حول تحديد مواقع تواجد قوات هاتين الحركتين بدارفور" بالطبع اللاعب الأساسي في كل ذلك هو الإدارة الأمريكية التي دفعت بمبعوثها الخاص دونالد بوث إلى الخرطوم خلال هذه الأيام، الرجل مثلما أسفلنا التقى بقيادات الدولة، أولهم كان المهندس إبراهيم محمود حامد رئيس وفد الحكومة للمفاوضات، قال بوث وقتها إن اللقاء تناول الجهود المشتركة للوصول إلى نتائج، في
ما يتعلق بوقف العدائيات في إطار التفاوض بين الحكومة والمعارضة"، وكذا التأم لقاء بين بوث ووالي جنوب كردفان اللواء عيسى آدم أبكر في كادقلي التي وصلها الأول، وانتهز الوالي الفرصة لوضع مطالب أمام منضدة المبعوث تمثلت في ضرورة أن تضغط واشنطن على الحركة الشعبية قطاع الشمال للتوقيع على وقف إطلاق النار لإحلال السلام الشامل والمستدام بالولاية، وقال عيسى في تصريح: "سمعنا تأكيدات من المبعوث الأمريكي بأن تلعب بلاده دورا فى تسهيل الوصول إلى الشامل والمستدام بولاية جنوب كردفان".
في الغالب المشاع أن زيارة المسؤولين الأمريكيين إلى الخرطوم تأتي استباقا لخطوات لاحقة تبدأها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، لجهة أن واشنطن تلعب دور الوسيط المسهل وتمهد الطريق أمام الآلية لاستئناف جهودها فأمر السلام كله بيد الولايات المتحدة الأمريكية، لعلاقتها المتميزة بالطرف المقاتل، وربما لتحقيق ذلك المعني نشرت الصحف معلومة عن وصول ثامبو أمبيكي رئيس الوساطة إلى الخرطوم الأسبوع الجاري لتحريك جمود ملف التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة والدخول لمرحلة تفاوضية تحقق الأمن والاستقرار خاصة بمناطق النزاعات، وأورد المركز السوداني للخدمات الصحفية عن مصدر حكومي أن
زيارة أمبيكي ستستغرق عدة أيام ومن المتوقع أن يلتقي خلالها المسؤولين بالدولة وعلى رأسهم المشير عمر البشير رئيس الجمهورية بجانب رئيس الوفد الحكومي إبراهيم محمود حامد متوقعاً أن تسهم الزيارة في دفع عمليات السلام والحوار واستئناف المفاوضات، وأكد المصدر استعداد الحكومة لاستئناف المفاوضات وفق ما اتفق عليه سابقاً خاصة في المسارين الإنساني والأمني، مجدداً رفض الحكومة دخول الإغاثة للمتأثرين عبر بعض دول الجوار.
عمليا أعلنت الحركة الشعبية قطاع الشمال رفضها لأي تفاوض مع الحكومة إلا في الإطار الإنساني، وهذه إشارة استباقية ربما أرادت الحركة إطلاقها بغية خلط الأوراق على زيارة أمبيكي المرتقبة والحكومة والمبعوث الأمريكي، فالشعبية تقول: "لا حوار إلا في ظل ترتيبات انتقالية جديدة تحت نظام جديد وإننا سنتمسك بعدم مناقشة أي قضية سياسية مع قادة النظام مجدداً فيما عدا معالجة الأوضاع الإنسانية على أساس القانون الإنساني الدولي". إلا أن الحكومة وعلى لسان حسين كرشوم عضو الوفد المفاوض تتوقع استئناف المفاوضات عقب زيارة ثامبو أمبيكي للخرطوم، وما ستناقشه هذه الزيارة من مواضيع للدفع بعملية التفاوض، وقال كرشوم للمركز السوداني للخدمات الصحفية أمس (الأحد) إن وصول أمبيكي يأتي في إطار الحراك السياسي وتحريك ملف السلام وحث الحركات المسلحة على التوقيع على ملف القضايا الإنسانية وإيصال الاغاثات للمواطنين من الداخل، مبيناً أن المستجدات الإقليمية والدولية ساهمت في إحراز تقدم ملحوظ في الجولات الخمس عشرة الماضية.
وليس بعيدا عن ذلك فان خطوة حركة العدل والمساواة بإطلاق سراح 22 أسيرا وصلوا إلى البلاد الأسبوع الماضي، يعدها البعض ثمرة من ثمرات اللقاءات غير المباشرة بينها والحكومة، وإن كانت الحركة أوضحت في بيانها أن الخطوة جاءت نتيجة استجابة لنداءات من شيوخ الطرق الصوفية، ومجموعة سائحون، والإدارات الأهلية، وتنظيمات المجتمع المدني، وشخصيات وطنية، والأسر، لكنها لم تنس في بيان صدر باسم ناطقها الرسمي جبريل آدم بلال أن تطالب بالإفراج عن أسراها لدى الحكومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق