الخميس، 1 ديسمبر 2016

سخرية الشعب النبيل ..!

ينبغي ألا يستعر الجدل حول العصيان المزعوم، هل فشل أم نجح في تحقيق أهدافه، فبالرغم من أنه لقيط لا نسب له سوى بعض هطرقات الناشطين اليساريين وقليل من قوى المعارضة، لم نجد له أهدافاً محددة حتى نقاربه منها ونقايسه عليها, ونرى إن كان قد حقق بعضاً منها أم لا ..؟
كل ما هناك, أن العصيان باء بفشل وخيم، في اليومين المعلنين، ولم نسمع له ركزًا يذكر، وكل الاهتمام الذي وجده أن الدعوة له ومحاولة تنفيذه ظاهرة جديدة في العمل السياسي السوداني, لم تختبر بشكل دقيق من قبل, رغم أنه في ثورتي أكتوبر(1964) وأبريل (1985)، كانت هناك دعوات مشابهة, لكن حركة الجماهير ونزولها الشارع كانت أقوى وأعنف وأسرع ..
وكان لابد للعصيان أن يفشل فشلاً ذريعاً ومخجلاً، لأن الشارع السوداني يعلم جيداً أن دعاة العصيان فاشلون حتى في دعوتهم, ومتخاذلون في قيادتهم للعمل المعارض، ولم تكن لهم قيادة على الأرض توجه الجماهير, وتضطلع بواجبها الثوري في تحريك الشارع وهدايته إلى ما يفعله، ومن سذاجة الدعوة للعصيان أنها حصرت أهدافها في عدم الخروج إلى الشارع والذهاب للعمل أو مقاعد الدرس، دون أن تحقق الشروط الأخرى لنجاح هذا النوع من التعبير، وغالباً يكون له ما بعده ..
كشفت المعارضة ودعاة العصيان عن ضعفهم وهشاشة تفكيرهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الشعب السوداني، بعجزهم عن تقديم رؤية سياسية واضحة ومتكاملة للعصيان المدني, والخطوة التي تليه وكيفية تسخيره لصناعة واقع سياسي جديد، فهو كان مطلوباً في ذاته .. محاكاة لا غير، ولم يفلح من دعا له, في توفير الغطاء السياسي الكافي لنجاحه أو توفير أقل أشراط النجاح المطلوب ...فغياب الأحزاب المعارضة والحركات وذهابها للأقبية تحت الأرض واختفاء قياداتها عن الواجهة، كان مؤشراً ساطعاً أن الدعوة للعصيان كانت فطيرة وفجة ولا قيمة لها في ميزان العمل السياسي المعارض .
مقابل ذلك, استفادت الحكومة من معطيات كثيرة لإفشال العصيان وإفراغه من معناه وقيمته، فمن تدابيرها أنها تركت مواجهة العصيان للمحليات، ولم تنشغل به قياداتها الكبيرة , فالرئيس غادر مطمئناً إلى زيارة مرتبة من قبل إلى دولة الإمارات العربية، ورافقه فيها والي الخرطوم وهو رئيس لجنة أمن الولاية، فمن الطبيعي في مثل هذه الأحوال, أن يكون الرئيس ووالي الخرطوم موجودين في ظل ظروف ضاغطة، لكنهما غابا لثقتهما المطلقة أن دعوة العصيان مجرد خيط دخان سيتبدد في الهواء وبندق في بحر ..وقد كان ..!
تعاملت الحكومة بحذق من ناحيتين .. فهي لم تعط العصيان أكبر من حجمه، لكنها أعطت ما كان سيترتب عليه من أعمال شغب أو تخريب إن جربته المعارضة والناشطون اليساريون، فجُل اهتمام الحكومة كان منصباً في ضبط الأمن وإحكام الاستعداد والسيطرة على أي تفلتات متوقعة، بجانب زيادة كفاءة السلطات المحلية وأجهزة الخدمة المدنية والهيئات النقابية في القطاعين العام والخاص لإجهاض العصيان, واتخاذ كل دريئة لإفشاله، ولم تكثر الحكومة اللغو في فضائه السياسي, عاملته بوعي وإدراك وحكمة، ولم تظهر أي تشنجات في الخطاب الإعلامي والأداء السياسي للدولة، الأمر الذي جعل العصيان يمر بهدوء كأنه لم يكن, وخسرت المعارضة وناشطوها الرهان .
كانت الحكومة تعلم أن الناشطين الذين أخذتهم حمى العصيان في الداخل والخارج.. وما أكثرهم بالخارج، لم يقرأوا الحقائق الموضوعية الصغيرة التي يتشكل منها المزاج العام للشعب السوداني، فالشعب رغم قساوة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة, لا يثق في أي بدائل سياسية أخرى, ولا يمكن أن يقفز هكذا إلى المجهول قفزة كبيرة في الظلام ...
ولم تجد الحكومة ما يبرر إعطاء العصيان المنتفخ أي وزن آخر غير الوزن الحقيقي له وهو حجم الريشة أو الذبابة، فلم تكن في الحلبة بوزنها الثقيل، وتركته يسقط ويتهاوى وصار العصيان سخرية الشعب النبيل ..!
قناة أم درمان ..
لطالما نبهنا الأخ الأستاذ المعلم وكبيرنا الذي علمنا سحر الصحافة .. حسين خوجلي، أنه في عالم السياسة( الحسنات الكبار الكثيرات تذهبهن خطيئة وسيئة واحدة!!)
 فالحكومات والأنظمة منذ أن عرفت البشرية لعبة السياسة، لا ترى إلا نصف الكوب الفارغ، وليس لديها ذاكرة لتنظر للخلف تتأمل  من سبق أو من صدق، فمهما فعلت وأحسنت وقدمت واجتهدت وكانت فعائلك اللائي سررن ألوفاً، تقضي عليها بالضربة الواحدة والقاضية عندما تؤخذ بالفعائل والغلطات الصغيرة والهفوات والكبوات  ... ونحن في بلدنا لسنا نسيج وحدنا .. خصائص السياسة ونهجها حاضرة في كل زمان ومكان .. إن أردت أن تنجو .. فلا تخطئ في حق الحكومة .. فقط كن على نفسك ولا تكن على الحكومة ..! لكن حسيناً , يبدو وكأن لم يفهمنا ..! فصارت قناة أم درمان قرباناً يذبح عند النصب اللامع ..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق