الأحد، 5 يوليو 2015

واشنطن والخرطوم .. قراءة في علاقة معقدة

ويرى محللون ان أحداث 11/ سبتمبر/ أيضاً فتحت (نفاحاً) للتواصل الأمني بين أجهزة الاستخبارات بين البلدين حتى توجت بزيارة مدير المخابرات الأسبق الفريق صلاح قوش لواشنطن وهذا التحول بدأ واضحاً إن التعاون الأمني أسفر عن اتفاق جعل الخرطوم تمضي في تنفيذ غالب برامجها السياسية في السلام والحرب دون اكتراث للانتقادات التي تصدر من المنظمات الدولية والرأي العام الأمريكي غير المؤثر على سلطات وتصرفات المخابرات الأمريكية.
ثم شكل استخراج النفط بكميات كبيرة بجنوب السودان وتغير ميزان القوى العسكرية لصالح الجيش النظامي في الخرطوم فكان برنامج السلام كهدف استراتيجي تبناه الحزب الجمهوري بقيادة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.. حيث أجريت كافة الدراسات والورش الخاصة بقضية السلام في السودان في معهد دراسات السلام الأمريكي توجت الجهود الأمريكية التي استعانت بالخبرات والمعرفة الأوروبية الواسعة بالواقع السوداني فكان إن مثلث السيدة هليدا جونسون دور المسهل بنقل الرؤى والأفكار بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني من جهة وبين الجهات الأمريكية والأطراف السودانية من جهة أخرى توجت الجهود الأمريكية باتفاق سلام نيفاشا الذي يمكن وضعه ضمن الأحداث الأكثر أهمية في القرن الواحد والعشرين.
حيث حضر مراسم التوقيع كولن باول وزير الخارجية الأمريكية آنذاك وبعد أسبوع من التوقيع أجرى الرئيس الأمريكي جورج بوش اتصالاً هاتفياً بالرئيس البشير مقدماً له التهنئة بتحقيق السلام ومؤكداً أن أمريكا ستقف بجانب السودان من أجل السلام والتنمية كان الكثير من المراقبين يعتقدون أن اتفاقية السلام ستكون هي الطريق نحو التطبيع الكامل بين العلاقات السودانية الأمريكية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى رفع السودان من قائمة الإرهاب ورفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عن السودان وكأن السودان لا تغادره حظوظ الشقاء فما إن أنهي أطول حرب في إفريقيا باتفاق نيفاشا حتى اشتعل حريق أعنف وأقوى بأكبر أقاليمه مساحة وأكثرها كثافة سكانية دارفور.
فالسياسة الأمريكية التي تقوم على كفتي ميزان بين (الجمهوريين والديمقراطيين) يعمل كل واحد على إفساد انجازات الآخر في سبيل تحقيق مكاسب سياسية.
فكانت جماعات الضغط الرافضة لتعاون الجمهوريين مع النظام الخرطوم هي من قادة حملة صناعة الرأي العام الأمريكي والعالمي ضد نظام الخرطوم وضغطت الإدارة الأمريكية الحاكمة وقتها أن تربط كل الوعود الأمريكية بالدعم الاقتصادي والسياسي بإيجاد حل عادل لقضية دارفور.
لم يستسلم الجمهوريين لكثرة المتارس التي وضعت لإعاقة تطوير العلاقات مع السودان من قبل جماعات الضغط بأمريكا فقاموا بمجهودات مضاعفة لحل قضية دارفور فكانت اتفاقية ابوجا للسلام برعاية أمريكية كاملة والمتابعة من روبرت زوليك الذي شدد على أي حركة تخرج عن الاتفاقية ستكون عرضة للعقوبات العسكرية والسياسية ولكن جماعات الضغط كانت أقوى وكان الجمهوريين وقتها على عتبات المغادرة وهم يعرفون قيمة السودان الأمنية والإستراتجية أكثر من منافسيهم الديمقراطيين بدأ الاهتمام الأمريكي بالسلام يتزايد من خلال تعيين ما يسمي بالمبعوث الأمريكي حيث كانت تكتفي سابقاً بقائم بالأعمال فقط فكان الانتظام في تواصل المبعوثين الأمريكيين تجاه الخرطوم دانفورث أول مبعوث الذي استطاع من خلال تواصله مع المكونات السياسية السودانية إن يشكل خارطة طريق مع المشكل السودانية ثم كان ليمان الذي خلفه في المهمة أكثر نشاطاً وحراكاً حيث تصادفت فترة عمله مع ازدهار اقتصادي كبير بالخرطوم واستقرار سياسي نسبي وذلك نتاجاً لمشاركة الحركة الشعبية وكل قوى المعارضة لتنفيذ اتفاقية السلام عبر المشاركة في كل أجهزة الحكم أما المبعوث الأمريكي أسكوت غريشن الذي تم اختياره بخلفية إلمامه بقضايا أفريقيا حيث جاء الى الخرطوم من تنزانيا وكان مهموم بحل قضية دارفور التي أخذت بعض الجهات المعادية للخرطوم وقتها تروج بحدوث جرائم حرب وإبادة جماعية بدارفور واستطاعت الحكومة السودانية عبر مسئول ملف دارفور غازي صلاح الدين استمالة غريشن لرؤيتها في تحقيق السلام ووقف الحرب وتفنيد ادعاءات حدوث الإبادة الجماعية وكان ان صرح لوسائل الإعلام الغربية بعدم صحة الادعاءات حول جرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور الأمر الذي عرضه لحملة إعلامية عنيفة من حركات دارفور والجماعات المناصرة لقضية دارفور بواشنطن فتمت إقالته من المنصب، تم تعيين المبعوث الأمريكي الحالي للخرطوم دونالد بوث إذ لم يزر الخرطوم منذ تاريخ تعيينه وحتى الآن وذلك لأن تعيينه قد جاء في ظروف بالغة التعقيد في العلاقات بين البلدين وكان السبب في ذلك رفض واشنطن تأشيرة دخول للرئيس السوداني لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بحجة أنه يواجه تهماً من المحكمة الجنائية الدولية فكان إن تعاملت الحكومة السودانية بالمثل ورفضت إعطاء المبعوث الأمريكي تأشيرة دخول للخرطوم.
لم يستسلم دونالد بوث لتعقيدات التي وضعت الخرطوم في طريقه بل أصبح يقوم بمهامه وكأن شيئاً لم يكن فقام بجولات لدول الجوار السوداني التقي خلالها جهات رسمية في هذا الدول والتقي بعض قادة المعارضة السودانية المتواجدة بها مثل الجبهة الثورية والحركة الشعبية لقطاع الشمال أعاد دونالد بوث زيارته إلى القاهرة وأديس أبابا ونيروبي ولكن الخرطوم استعصت عليه وفي ظل هذا الانقطاع والفتور بين السودان وواشنطن كانت هنالك بعض الإشارات العابرة التي تستحق التوقف والتأمل بعمق فعندما هاجم جنوب السودان مدينة هجليج وقام الجيش السوداني بتحريرها كان إن قام الرئيس الأمريكي وفي سابقة تعد الأولي في تاريخ أمريكا بما يخص السودان إن قدم خطاب مباشر لشعب شمال السودان وتكرر هذا الأمر في احتفال السودانيين بأعياد الاستقلال في العام الحالي 2015م حيث وجه الرئيس الأمريكي كلمة مباشرة للشعب السوداني مقدماً تهنئته وأمنياته لمستقبل أفضل متجاوزاً الإشارة إلى الحكومة السودانية في هذا الأمر وهناك أشارة أخرى ذات أهمية بالغة وهي أن الولايات المتحدة لم تتدخل بأي صورة إبان زيارة الرئيس البشير لجنوب أفريقيا ولم تصدر الخارجية الأمريكية ولا البيت الأبيض أي تصريح أثناء وقت الأزمة مما عده الكثير من المراقبين أن هنالك تواصل بين الخرطوم وواشنطن بطي ملف الجنائية وكان ميناء بورتسودان قد استقبل قبل أشهر قليلة وفد من البحرية الأمريكية اطلع على إجراءات الحماية والتأمين وأصدر إشادة بالإجراءات التأمينية المتبعة بميناء بورتسودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق