الخميس، 30 يوليو 2015

المهدي تحت وصاية فشله!

على الرغم من كل المواقف التي أتخذها وما يزال يتخذها زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي من منفاه الاختياري خارج السودان ضد بلاده والتي توّجها مؤخراً بموقفه (المؤسف) من محكمة الجنايات الدولية ومطالبته المدهشة بوضع السودان تحت الوصاية الدولية، على الرغم من كل هذه المواقف التي أقل ما توصف به أنها (غير وطنية بالمرة) إلاّ أن مساعد الرئيس السوداني، نائب رئيس المؤتمر الوطني، المهندس إبراهيم محمود قال إن الحكومة السودانية ترحب بعودة المهدي إلى وطنه!
وبالطبع نحن هنا لسنا بصدد أن نستكثر على المهدي العودة إلى بلاده أو التجاوز عن سقطاته هذه، فالطبيعة الإنسانية المعروفة عن السودانيين في العفو والتسامح والتسامي على الجراح، هي الغالبة، وهي السمة التي ما من أحد قادر على نزعها من نفوسهم مهما كانت الخصومات، ومهما كانت درجات الثأرات والإحن!
غير أن المهدي ربما كان لا يدرك كم هو حجم الخسائر الفادحة وهي فادحة بحق التي ألحقها بحزبه وبتاريخه الشخصي جراء ممارسته للعمل السياسي خارج سياج حدود بلاده دون أي داعٍ لذلك! المهدي في الأشهر القليلة الماضية التي قضاها في عواصم خارجية زاعماً أنها بمثابة (مهمة سياسية حزبية) كلفه بها حزبه، خسر ما لم يخسره في تاريخه السياسي الطويل، على الرغم من أن التاريخ السياسي للمهدي نفسه ليس بهذا القدر من الايجابية.
ولا شك أن هذه الخسائر السياسية عصية على التعويض حتى ولو منح المهدي مقدار عمره الزمني الحالي بعد الآن. من جانب أول فإن المهدي بدا لحوارييه ومريديه في حزبه وكأنه رجل لا يحتمل المشاق ويفضل الجلوس في الظل البارد. وهذه في الواقع أسوأ وأخطر صفة يمكن أن تلحق بقائد سياسي. فقد اختار المهدي البقاء في الخارج لتجنيب شخصه ويلات المواجهات السياسية مع السلطة.
كان الأمر الطبيعي إذا كان الرجل متسق مع مبادئه وصفات القيادة أن يبقى داخل بلاده منافحاً عن هذه المبادئ. وحتى ولو تحجج الرجل بأن حزبه هو الذي أجبره وفرض عليه، الهروب، فإن هذه المحاججة لا تصمد أمام أمرين منطقييّن جداً، أولهما:
أنّ الرجل كان بوسعه وبصفته زعيماً للحزب أن يرفض هذه (المهمة السياسية السالبة) ويصرّ على البقاء بالداخل ولسنا هنا في حاجة لإيراد مئات الأمثلة التي رفض فيها المهدي مئات القرارات الحزبية في قضايا وشئون أقل أهمية ويكفي فقط أن الحزب الآن يعيش حالة تمزق بفعل رفض المهدي المستغرب للممارسة الديمقراطية الحقيقية داخل أجهزة الحزب.
وثانيهما: أن المهدي نفسه وباعتباره زعيم الحزب ليس في موضع الزعيم الذي يتلقى الأوامر وتكليفات من قيادات الحزب. المهدي هو الحزب وهو القيادة وليس أدل على ذلك من أن الرجل ترك الحزب مجمداً ومتجمداً لا يسمع له صوت لأن زعيمه بالخارج!
ومن جانب ثانٍ، فإن المهدي وهو في هذه السن ويرقد على كل تلك التجربة الطويلة ويدعي وصلاً بالديمقراطية، لم يجد من بين قادة حزبه من يقوم بهذه (المهمة السياسية الخارجية) المزعومة سوى شخصه الكريم. الدلالة هنا واضحة على أن الرجل هو الحزب والحزب هو الرجل وهذه خسارة سياسية فادحة أدركها حتى البسطاء غير المتعلمين ممن تبقوا في حزبه!
ومن جانب ثالث، فإن الرجل (أخجل) الجميع من سدنة الممارسة الديمقراطية في أوربا وغيرها من الدول الغربية، فالرجل ناهز الثمانين من العمر وما يزال يتزعم حزبه! كما أنه ومع كل ذلك لم يستطع أن يعيد تحديث وإصلاح حزبه، بل إن الرجل فاجأهم بأنه جاء إلى الخارج ليمارس ما عجز عن أن يمارسه بالدخل!
وعلى ذلك فإن السيد الصادق المهدي بهذه الخسائر الفادحة يمكن اعتباره صاحب الرقم القياسي غير المسبوق في السودان في إعادة إنتاج الفشل وتسويقه وإعادة استخدام عائد هذا الفشل في إعادة أنتاج فشل جديد، وهكذا في سلسلة حلزونية لا تنتهي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق