الاثنين، 13 يوليو 2015

جوهانسبرج وحتمية إلغاء قرارها القضائي المحلي!

قالت حكومة جنوب افريقيا انها شرعت فعلياً في التقدم بالتماس قضائي امام المحكمة العليا المختصة هناك لإلغاء قرار سابق لمحكمة محلية باحتجاز الرئيس السوداني المشير البشير إبان زيارته ومشاركته فى القمة الافريقية رقم 25 في ابريل الماضي تنفيذاً لقرار محكمة الجنايات الدولية.
ومع ان حكومة جنوب افريقيا لم تكشف عن طبيعة ونقاط الالتماس الذي تقدمت به والدفوعات التى استندت عليها لإلغاء القرار، باعتبار ان الامر في هذه الحالة يقع ضمن نطاق عمل قضائي داخلي إلا ان بالإمكان وبالنظر الى طبيعة الازمة التى خلفها قرار المحكمة تخمين بعض هذه الدفوعات بل والمراهنة على حتمية إلغاء القرار نظراً لخطورته والأبعاد الاكثر خطورة التي ربما أودى اليها والتي يتمثل اقلها فى ان تجد دولة جنوب افريقيا نفسها فى مأزق خطير بين نظيراتها من دول القارة.
وقبل ان نتعرض لجانب من هذه الدفوعات القانونية وما قد تفضي اليه من إلغاء للقرار فإن من المهم ان نشير بداية الى ان الملابسات التي أحاطت بتقديم الطلب الى المحكمة والظروف التي جرت فيها الاجراءات تنطوي على قدر من التساؤلات المريبة؛ فمن جهة أولى، فإن تقديم الطلب ودراسته عشية وصول الرئيس البشير الى جوهانسبرج ومع بداية جلسات القمة الافريقية بدا أمراً غير بريء ويفتقر الى الموضوعية والخصومة القضائية الشريفة إذ ليس من ما هو معهود في الاجراءات والتدابير القضائية هذا اللون من التآمر وإلباس الاجراءات لبوساً سرياً ذي صبغة تآمرية، لو أن الامر كان يستند على حق موضوعي بأيدي نظيفة لتقديم الطلب في أي وقت قبل عقد القمة، وهنا ربما يقول قائل إن السلطة القضائية فى جنوب أفريقيا تعاملت مع الطلب في التوقيت الذي قدم لها فيه، ولكن المحك هنا هو ما اذا كان التوقيت موضوعي وعادل ويتيح للأطراف ممارسة حقوقها القضائية في وضح النهار، أم ان الامر فيه ما فيه من الشكوك والتآمر!
ومن جهة ثانية فإن القضاء -أي قضاء- حين ينظر فى أمر استثنائي قليل السوابق ذي أبعاد خطيرة ينبغي ان ينظر فيها تحاشياً لأي شكوك حول نزاهته في مناخ افضل وليس مناخ محفل دولي مهم ربما يعود على الدولة بكاملها بوبال سياسي مهول.
من المستحيل هنا ان القضاء فى جنوب افريقيا لم يكن يدرك خطورة المساس بضيف زائر للدولة بوصفها دولة مقر وليست زيارة عادية في إطار علاقات ثنائية ومن المستحيل ان يجهل القضاء الجنوب افريقي ان للمقر حصانته قبل النظر فى حصانة الضيوف.
أما إذا ما نظرنا الى طبيعة دفوعات حكومة جنوب افريقيا فى سعيها لإلغاء القرار فهي لا تتجاوز أمرين هامين: الأول، ان الدولة كانت تمثل دولة مقر للاتحاد الافريقي ساعة انعقاد القمة وأنه -قانونياً- لا يجوز المساس بضيف في نطاق دولة المقر فضلاً عن المساس بحصانته الدبلوماسية مهما كانت الظروف.
الثاني، ان دولة جنوب افريقيا ملتزمة -بموجب اتفاقية افريقية صادرة بقرار من قادة الاتحاد الافريقي بعدم التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وإذا تعارض هذا الامر مع التزامات الدولة حيال اتفاقية روما 1998 المنشأة للمحكمة الجنائية، فإن الاتفاق الافريقي –باعتباره إتفاقاً خاصاً- هو الذي يسود على ما سواه جرياً على القاعدة الذهبية القانونية (الخاص يقيد العام).
أما على صعيد الغاء القرار فإن حاجة دولة جنوب افريقيا لإلغاء قرار المحكمة تبدو اكبر من أي جهة أخرى وذلك لأن بقاء القرار سارياً يسبب حرجاً للدولة تجاه دول الاتحاد الافريقي ويزداد الحرج اذا ما تم عقد قمة اخرى في جوهانسبرج –مع سريان القرار– لأن الحكومة الجنوب افريقية لن تستطيع تنفيذ القرار للمرة الثانية الامر الذي يزيد من سوء موقفها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق