الأحد، 5 يوليو 2015

هل يعيد المجتمع الدولي النظر جدياً في تجربة لاهاي الجنائية؟

نظرياً وعملياً لم تعد المحكمة الجنائية الدولية بتجربتها البائسة التى شهدها العالم طوال الأعوام العشر الماضية موضعاً لإحترام أحد. حتى غلاة القوى الدولية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة تحتقر لاهاي سراً ولكنها لا تمانع في اللعب بأوراقها عند الضرورة جهراً.
الدول الافريقية بلا استثناء حوالي 31 دولة افريقية حتى ولو قلنا إنها لم تبلور قناعة نهائية قاطعة بشأن رؤيتها للمحكمة وإمكانية الخروج من ميثاقها، فهي على الاقل غير مرحبة بها، ولا تشعر باحترام حيالها. ومعلومة بالطبع هي الأسباب الرئيسية التي قادت الى انهيار هذه التجربة الدولية رغم كل ما منحت له من موارد مالية وصيت اعلامي بلغ عنان السماء.
ولا شك ان العوامل الرئيسة التى افضت الى حالة الجمود والكراهية التي تعيشها تجربة لاهاي يمكن تلخيصها فى 3 عوامل رئيسية: أولها، المنظومة العرجاء اللتى قامت على أساسها المحكمة، فهي قامت على اساس استخدام سيفها على رقاب الضعفاء فقط وذلك بحكم ان المجتمع الدولي الذي أنشأ الامم المتحدة في العام 1945 وأنشأ مجلس الامن الدولي بعضوية مخصصة للدول التى انتصرت في الحرب العالمية الثانية وضمن لها مصالحها، فعل ذلك لغاية أبعد ما تكون عن المساواة بين الدول أو مراعاة حقوقها وإخضاع الكل -الكبير والصغير- لقواعد القانون الدولي. مجتمع دولي بهذه السمات من المستحيل تماماً ان ينشئ قضاء جنائي دولي حقيقي قائم على المساواة والعدالة.
ثانياً، انه على الرغم من اختلال الميزان الدولي ورغم وجود المعايير المزدوجة فقد كان بالإمكان ان يتدرج المجتمع الدولي فى إقامة العدالة المطلوبة ولكن القوى الكبرى ابت إلا ان تفسد الامر منذ الوهلة الاولى بتضمين نص في ميثاق انشاء المحكمة يمنح مجلس الامن الدولي حق إحالة (من يرى) الى المحكمة!
اللعبة هنا تراوحت ما بين افتعال الخصومات مع بعض الدول الصغيرة الضعيفة وما بين تجنيب القوى الكبرى أو تلك الحليفة لقوى كبرى ويلات الاحالة. فبمثلما أحال المجلس في العام 2005 الاوضاع في دارفور الى المحكمة هل يجرؤ ذات المجلس إحالة ملف (غزة) في العام 2006 والعام 2009 الى المحكمة؟ الاجابة واضحة كالشمس ولا تحتاج الى أي جهد.
ثانياً، ان فكرة القضاء الجنائي الدولي حتى مع كل مثالبها كان ولا يزال بالإمكان ان تكون فكرة (مكمِلة) بمعنى أنها فكرة تأتي متكاملة مع فكرة القضاء الوطني. بمعنى ألا تنتهك السيادة الوطنية لأي دولة ويتم تخطي قضاؤها الوطني -لأي سبب كان- فقط بهدف تطبيق ميثاق المحكمة.
الذي حدث الآن ان السيادة الوطنية لبعض الدول جرى العبث بها تماماً دون سبب ظاهر وقد قاد هذا الوضع فعلياً الى هزيمة مبدأ المحكمة نفسه فلم تجرؤ أي حكومة فى العالم حتى الآن على المساعدة في توقيف مسئول مطلوب لدى المحكمة لأن هذا إن حدث ولو لمرة واحدة وكحالة استثنائية فإن معناه إنهيار منظومة وقواعد العلاقات الدولية ولدخلت الدول في حروب تتصل بسيادتها الوطنية ومن ثم تتحول المحكمة من جهاز للعدالة الى معول هدم العلاقات الدولية.
إذن نحن امام تجربة من الصعب استبعاد سوء النية والميل الى الذهنية الاستعمارية القديمة التى دفعت ببعض الدول الكبرى لاستعمار الدول الافريقية الأقل منها وإذلالها. تجربة كهذه كان محتماً ان تنهار وتسقط وأن يعيد المجتمع الدولي التفكير من جديد في إصلاح وترميم منظماته الدولية أولاً وفي مقدمتها الامم المتحدة نفسها بترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وان يحترم المجتمع الدولي مبدأ السيادة الوطنية، وحقيقة فلولا هذه السيادة الوطنية لما تكاملت الدول فيها بينها واتحدت إراداتها لإنشاء أي منظومة دولية من أي نوع لخدمة أهداف مشتركة لصالح الانسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق