الثلاثاء، 7 يوليو 2015

معضلة خطيرة غير متوقعة تواجهها الحركات المسلحة في السودان

يبدو أن الحركات السودانية المسلحة جميعها ولجت الى ساحة الحرب سواء في اقليم دارفور او في جنوب كردفان، أو جنوب النيل الازرق لم تكن قد وضعت في حساباتها -إن كانت لها حسابات جدية أصلاً- أنها في يوم ما، قد تواجه معضلة من نوع فريد.
معضلة تتهدد كل تكتيكاتها القتالية وخبراتها الحربية المكتسبة في ميادين القتال. ومن ثم يصبح وجودها وأنشطتها المسلحة في مهب الريح. والواقع إن هذا هو بالضبط ما حدث، منذ ان ابتكرت الحكومة السودانية ترياقاً مضاداً ومصلاً ناجعاً لهذه الانشطة المسلحة الهدامة والمتمثل فى قوات الدعم السريع.
ولأن غالبية المواطنين، في السودان لا يعايشون يوميات ووقائع الحرب في جبهات القتال في دارفور وجنوب كردفان معايشة لصيقة، نظراً لاتساع نطاق الأمن والاستقرار في مناطق شاسعة جداً في هذا البلد الذي ظلمته الدعاية الدولية الموتورة وصورته كبؤرة عنف؛ فإن من الصعب على الكثير من المواطنين السودانيين معرفة مدى المتاعب والصعوبات التى باتت تواجهها الحركات المسلحة منذ ان ظهرت قوات الدعم السريع في الميدان.
ولتقريب الصورة قليلاً يكفي ان نشير بداية -من واقع متابعه ميدانية عن كثب- ان الحركات المسلحة خسرت مجالها الحيوي الذي ظلت تنشط فيه لسنوات بنسبة تقارب الـ90% خاصة في اقليم دارفور، وتشير حقائق الواقع في اقليم دارفور ان الحركات المسلحة لم تتلاشى عن التواجد في اماكن نشاطها المعروفة وتنزوي عنها فحسب ولكن -كما رأينا ولمسنا- فإن هذه الحركات فقدت الثقة في نفسها وفي القيام بأي تحرك ولأيّ سبب كان حتى لو كان ذلك في جنح الظلام وعبر تدابير بالغة الصرامة.
الحركات المسلحة فقدت الرغبة بأي قدر كان في الحركة لأنها تعلم أن اية حركة كلفتها الامنية الاستراتيجية باهظة للغاية. بل ان الحقائق تشير وتقول إن وسائل الاتصال العادية والعالية التقنية معاً التي كانت تستخدمها هذه الحركات لتأمين تحركاتها لم تعد مجدية ولم يعد منها نفع، فهي اصبحت وسيلة انكشاف لأيّ تحرك ولعل اسطع نموذج مؤلم لهذا الجانب، هزيمة قوات جبريل ابراهيم الداوية في منطقة (قوز دنقو).
من جانب آخر فإن قادة الحركات المسلحة في دارفور اضطروا فى شهر مايو 2015 وفي احدى ضواحي العاصمة اليوغندية كمبالا وعلى نحو بالغ السرية لعقد اجتماع طارئ جرى التمويه عليه بعناية واضحة للبحث في مستجدات الميدان، وفق التوصيف والتسمية التي جرى اطلاقها حينئذ على وقائع ومحضر الاجتماع.
اجتماع دام لأكثر من ساعتين جرى تخصيصه للكيفية التي تتم بها مواجهة تكتيكات قوات الدعم السريع. وبالطبع لم تكن كل التساؤلات المحيرة والهواجس والمخاوف التي أبداها القادة المجتمعين أمراً مفاجئاً، ولكن كانت المفاجأة ان الاجتماع خلص الى لا شيء؛ بمعنى ان أحداً من عباقرة الحركات المسلحة لم ينجح في توصيف وسيلة ناجعة لمواجهة تطورات الموقف.
صدق أو لا تصدق عزيزنا القارئ ان قادة الحركات المسلحة خرجوا وهم يحملون احباطاً غير معهود واعتبر البعض -بعد فوات الأوان- ان الأمر في مجمله يعود الى عدم حرص الحركات المسلحة وقادتها الميدانيين منذ البداية على تطوير نشاطتهم المسلح ووضع الخطط لمجابهة المفاجآت غير السارة.
ولا شك أن الوضع الآن مثقل بالتساؤلات والهموم، ولهذا فإن انشطة الحركات المسلحة فى السودان كما قدرت بعض الدراسات البحثية مؤخراً من المتوقع ان تنحسر في غضون العامين المقبلين على اقصى تقدير ويبقى التساؤل الأكثر إلحاحاً ما اذا كانت هذه الحركات المسلحة ستعود الى التفاوض أم انها تصر على المواجهة الخاسرة حتى آخرها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق