الأحد، 12 يوليو 2015

تجربة العمل المعارض المسلح في السودان، بين النجاح والفشل!

أثبتت الاحداث ان تجربة العمل المسلح السياسي في السودان تجربة غير منتجة وغير مفيدة لأي طرف يعتقد ان حمل السلاح من الممكن ان يفيده فى الوصول الى أهدافه. لا حاجة لنا هنا للتعرض لنموذج الجبهة الوطنية يوليو 1976 أو حتى تجربة الحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق 1983 على الرغم من أنها في خاتمة المطاف افضت الى انفصال الاقليم الجنوبي في يوليو 2011 ولا حتى تجربة خليل ابراهيم في العاشر من مايو 2008 وقس على ذلك التجارب المتماثلة المتكررة في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق.
في كل هذه التجارب كانت النواة الوطنية الصلبة سرعان ما تقف بقوة وحزم في مواجهة الطرف الذي يحمل السلاح ويسعى لاختراق الدولة الوطنية السودانية وهو يحمل دعماً وعتاداً من الخارج.
وفي كل هذه التجارب ما مضى منها وما هو قائم فإن الشعور الجمعي للسودانيين يقف بقوة ضد أي عبث بالعمود الفقري الرئيسي للدولة  السودانية، وهذا فيه تأكيد على ان حمل السلاح ليس محض خطأ فحسب في حسابات حامليه, لكنه يمكن ان يصل الى مستوى الخطيئة الكبرى، باعتباره محض تدمير وعبث بأموال وطنية تخص الجميع بلا جدوى سياسية ولا نتائج وطنية ملموسة.
بل إن الذين راق لهم نموذج الحركة الشعبية وكيف تمكنت من الحصول على دولة مستقبلة لا ينظرون الى بعض الجوانب المهمة فى الموضوع؛ فمن جانب اول فإن نموذج الحركة الشعبية –وبمصادفة تاريخية نادرة– استفاد من إتفاق كل النخب والقوى السياسية على ان الجنوب السوداني يستحق إعطاؤه حق تقرير مصيره وإقامة دولته سواء لأسباب تاريخية أو لأسباب تتصل بالهوية أو حتى لمجرد ممارسة ديمقراطية حقوقية فحواها عدم اجبار أي طرف لا يرغب فى البقاء داخل مكونات الدولة السودانية على البقاء بداخليها.
إذن مصادفة اقرار حق تقرير المصير في ظل حرب كانت تقودها الحركة الشعبية ،افرز قيام دولة الجنوب، ولهذا فإن أحداً لا يمكنه الجزم بأن السلاح الذي حملته الحركة الشعبية في العام 1983 هو الذي قاده مباشرة الى قيام الدولة الجنوبية فى 2011م وحتى ولو قلنا جدلاً أن الحركة الشعبية حصلت على الجنوب عبر الحرب والسلاح فإن أحداً لا يمكنه ان يتفاءل بالنظر الى ما آلت اليه الاوضاع الآن هناك بتجربة كهذه، فقد تمزقت الدولة الجنوبية تمزقاً تاريخياً لا يمكن لأحد أن يتصوره، كما أنها قابلة للتمزق وفقاً للمعطيات الماثلة.
ومن جانب ثاني فإن عموم السودانيون أدركوا ولو مؤخراً ان فتح المجال لحملة السلاح لكي يفرضوا إرادتهم على البقية بأي دوافع أو دواع كانت من شأنه ان ينهي الوحدة القوية والوطنية للدولة السودانية وهذا ما يفسر وقوف غالب الشعب السوداني وبقوة مع السلطة المركزية الحاكمة ضد أي حركة مسلحة مهما كانت مظالمها وأطروحاتها.
ومن جانب ثالث، فإن العمل المسلح في وعي السودانيين جميعاً عمل خارجي في حقيقته لأنه يستلزم الحصول على اموال خارجية وسلاح وعتاد حربي كله من قوى خارجية سوف تعمل على استعادة الفاتورة مستقبلاً كما أنها تجعل البلاد عرضة لعبث المنظمات والأجهزة الاستخبارية .
لكل هذا فإن تجربة العمل المسلح يمكن بحال من الاحوال اعتباره عملاً ذا جدوى في بلد كالسودان خاصة وان الكل بدأ يدرك ان الحكومة الحالية تعمل على ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر آلية الانتخابات العامة والتى بدورها سوف تفضي الى استقرار سياسي على المديين، القريب والمتوسط، وأن القوى المسلحة هذه لا عذر لها فى حمل السلاح طالما أن بإمكانها خوض الانتخابات العامة والوصول الى السلطة عبر مثابرتها وجهدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق